2014
Adsense
مقالات صحفية

قيمتك لا تطلبها بل انتزعها بحسن عملك

 

علي بن مبارك اليعربي

منذ أن يولد الإنسان و بمجرد أن يكون على ظاهر الأرض بعد أن كان في بطن أمه، يبدأ رحلة البحث عن قيمته وذلك من خلال ما يحدثه من صراخ و بكاء وكأنه يريد أن يلفت الأنظار إليه، و حيث لا يعني أيضا ذلك الصراخ والبكاء- في كثير من الأحيان- أن هذا الصغير جائع يريد طعاما أو أنه يعاني من شيء يؤذيه ، بل لأنه يريد أن يشعر من حوله بأهميته و قيمته لديهم، وهذا أمر بديهي وطبيعي أودعه الله فيه، فقد وضع الله للإنسان مكانة وقيمة بين سائر مخلوقاته وأمر ملائكته بتجسيد ذلك بالسجود في قوله تعالى جل في علاه في سورة (( ص )){{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{72} فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{73}
وينبهر الإنسان العاقل بعجائب ما خلق الله في هذا الكون من ظواهر لا يستوعبها عقله ومع ذلك يتأملها ويبحث فيها و يسن لها القوانين ويجعل لها الافتراضات ليصل إلى مضامينها،والمدهش في الأمر أن الإنسان هو أكثر المخلوقات إبداعا وغرابة في صنع الخالق وهو نفسه من يستحق الدراسة حتى من باب الفضول وإشباع الذات د، وذلك مصداقا لقوله تعالى في سورةالذاريات ” وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ *
ورغم أن الإنسان صنع نجاحا في كل شيء يمكنه من تسيير حياته، ورغم ما حققه من اكتشافات هائلة إلا أنه عجز إلى حد كبير عن تفسير عواطفه وانفعالاته وأفكاره ،
وما الأمور التي تفرحه أو تحزنه؟ ما أضعفك أيها الإنسان !وما أغربك من مخلوق! تعرف كثيرا من دقائق التفاصيل وأحقرها عن عالمك الخارجي ولا تعرف عن نفسك إلا القليل.
بل إن البعض قد يجهل حتى معنى وجوده.
إن معرفتنا لذواتنا و لحقيقتها أمر بالغ الأهمية كي ندرك أهدافنا ورؤيتنا المستقبلية ،ونوجه طاقاتنا الكامنة في داخلنا بناء على تلك الرؤى والأهداف،ولن نعدم الوسيلة في التعرف على القيمة الحقيقية لذواتنا.
فقط علينا أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة وبالإجابة عليها قد نقطع شوطا كبيرا للوصول إلى تلك الحقيقة ألا وهي :-
لماذا أنا موجود في هذه الدنيا؟
هل للفرد منا قيمة؟
وإن كانت الإجابة بنعم. فمن أين يحصل على تلك القيمة؟
هل قيمتنا متغيرة أو ثابتة؟
فإذا أدركت صديقي معنى وجودك فحينها سوف تكافح للوصول ولتحقيق ذلك المعنى في حياتك، تحيا وتعيش من أجله.
و كثير من حالات الانتحار تقع بعد أن يشعر المنتحر بأنه لا معنى لوجوده فيقدم على ذلك.
فالمؤمن الحق يدرك تماما معنى وجوده فهو مستخلف في الأرض ومكلف بالمحافظة عليها وإعمارها واستمرار تطورها ويدرك صعوبة المهمة الملقاة على عاتقه مهما كانت مكانته الدنيوية،لذلك ولله الحمد والمنة لا يقع الانتحار ممن قلبه عامر بالإيمان وطاعة الرحمن ويدرك قيمته ودوره في الحياة الدنيا.
أما للإجابة عن سؤالنا هل للفرد قيمة، فبلا شك لكل منا قيمة يستمدها من خلال ما يقدمه للبشرية، وليس المقصود هنا القيمة المادية التي يمتلكها كل منا والمتمثلة في الجاه والمنصب لأنها بكل تأكيد قيمة وقتية زائلة ، أما القيمة الحقيقية للإنسان فهي قيمته الذاتية أي ما يشعر به ويعبر عنه من خلال تصرفاته فيعكس إحساسه بقيمته وتقديره لنفسه فعندما تكون عالية يزيده يقينا بأن وجوده ذو قيمة يستحق بها حب واحترام الآخرين له وأنه ذو أهمية قصوى يكون على أثرها في حالة توازن نفسي واستقرار اجتماعي، والعكس صحيح إذا قيم أي منا نفسه بالمتوسط أو الضعيف فهذا غالبا ما يكون لديه شعور بالنقص و الدونية رغم أننا نعرف أنفسنا حق المعرفة، وإن أظهرنا غير ما نبطن فنحن نعي مصدر قيمتنا ولم نغيرها.
وأما الإجابة عن آخر سؤال سألناه لأنفسنا ، وهو: هل قيمتنا متغيرة أو ثابتة ؟ أقول لك عزيزي يجب أن تكون قيمتك ثابتة ، بحيث تصنع لنفسك قيمة ثابتة وذلك عن طريق احترامك لنفسك مع تطوير ذاتك باستمرار بما أنعم الله عليك من قدرات عقلية وإدراكية أودعها فيك لتكون مصدر سعادتك، والأهم من ذلك أن لا تكون نسخة من غيرك، فأنت شخص واحد فقط لا يوجد غيرك وإجعل من حولك عونا وسندا لا معتمدا عليهم ، فكما يقال إذا أردت أن تكون الأفضل فزد من قيمتك عند الله و زد من قيمتك عند نفسك و زد من قيمتك عند الناس بانتزاعها بحب واحترام لا بأخذها منهم على سبيل الصدقة والمنة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights