عائشة بنت جمعه الفارسية
لم يكن تتر مسلسل صلاح الدين الأيوبي ( مع التحفظ لمفرداته) إلا شرارة لتطلعني على الالتفات لتلك الشخصية التاريخية المتفردة لذلك الفذ الذي سحق أبهة المناصب، وزركشة النصر وذلك الأنين الرافض للتلميع المبهر عن الحد، بعد انتصاراته وعند تقلده المنصب تلو الآخر …
لتتلاقى الأرواح بمن مررنا بهم في مشوار حياتنا ، من صفات لأشخاص فتجري جريا إلى مخيلتي تماما كلعبة الدومينو التي تشاكل كل جزء منها مثيله لجزء آخر لتتطابق معه.
(أيها المارون بين الكلمات العابرة) لمحمود درويش عذراً فالمثال هنا اختلف. أرغمت على المتابعة لهذا المسلسل التاريخي عن شخصية صلاح الدين الأيوبي ، في إحدى القنوات مصادفة ، ولعل في المشاهدة جمال آخر، يخالف ذلك الجمال الذي يتصوره القارئ وهو يقلب الأوراق ، ويقلب معها خيال تصور الأحداث حين يترجمها في مخيلته، وحتى لا تتساقط بعض الأحداث دون أن تمر بغربال الفكر ليضعها في مكانها دون تنقيص، تلذذت بمشاهدته.
الهيبة والوقار .. الزهد في كل ما سخره الله لذلك الأيوبي بعد أن كشفت أحداث صباه عن فكر قائد، ودهاء محارب ،وحنان ابن تكفلت به الأيام في تربية لأسرة ممتدة أخذ من هذا وذاك (صرب) خبرات تجرعها حبا والتصقت به لتكون القائد الذي حقق حلم من سبقه بتحرير القدس.
إن تلك الصفات تذكرني بشخصية عايشتها على أرض الواقع ولم يكن تأخري لتوثيق شكر خاص له ..
إلا خوفا أن يكون المجرى الذي سأصفه لنهر انساب بين حياتنا في مترادفات الحياة العملية قد قصرت في وصفه، أو تدبرت في ذكره من زاوية ضيقة، وهو قد فاض مرورا على أرواح عدة تعلقت معه وسار معهم على دروب الحياة، يجيدون وصفا أفضل لمناقبه وإن عجزت عنها لعدم كفاية الأدلة ..
ولكن مهلا .. فالعموم في الصفة لا يتجزأ فما يعطيه لك لن يحبسه عنك لغيرك، لأنه سلك لنفسه البذل دون القبض، والعطاء موصولا بالرضى دون منّ . رقراقا ينساب في حديثه من مواقف التاريخ دون ملل في أي حديث قد يجمعه مع طلاب كانوا ينهلون من أدبيات كتابة القصة والمقال أو مجموعة من زملاء العمل تباينت أعمارهم واختلف بينهم جنس المتلقي ينتهز معهم شرارة لخلق حديث جميل أو بوح لأبيات شعر تزامنت مع المحتوى لتطعيمه وما أكثرها عنده.
الذين لا يملكون بعد انطلاقة حديثه سوى الصمت لذلك الخرير الذي يجبرك طوعا على سماعه، ويلزمك الأخذ به والتفكر بذلك العز الذي قدر للمقربين منه أن يكونوا معه منزوين بفكرهم في قمة جبل وإن كانوا على السهل ، ترفع علما وتواضع مكانة ليهدر فيه دكتورنا شلالا تحطمت إبداعاته المتنوعة بين لغة أحببنا سماع مفرداتها منه ،وخط عشقنا معه وضع قلم بين أصابع انسابت حروفه طوعا تتزاحم جمالياتها في سطر خطه.
ويهدر من السمات التي ينبغي علينا النهل منها جميعا ليرص بتوجيهاته لبنة جديدة مع ابنائنا وليعطيهم خلاصة فكره وتجاربه وذلك الإرث الذي لا يزال يختبئ بين حنايا صدره المتسع للجميع ..
(أيها المارون بين الكلمات العابرة) آن أن لا تنصرفوا إلا أن تقيموا بيننا.
دكتور سالم بن سعيد العريمي عذراً للعجز في الوصف فحروف اللغة لا تعطيك حقك ذكرا ووصفا فالتاريخ سطر للزاهدين المحملين بأثقال العطاء مدونات عن فكرهم لا يعرفها إلا من يتسابق لقراءة تاريخهم وليس بحري على الآخرين إلا الاستماع والتفكر والتدبر و بالنهل منهم.
ولنحاول بهم ومنهم تغيير مجرى ذلك النهر الذي في أعماقنا الخيرة ليكون للآخرين وحتى لا تكون الحياة أخذا.
(أيها المارون بين الكلمات العابرة) لن تموتوا ابدا لكم الماضي والحاضر والمستقبل أبدا.
.فالحديث عنكم مكتوب بدواة تساقط حبرها على ورقة بردي لم ينشف ماؤها وإن جف ظاهرها ، انتشر حبرها دون أن تختلط الحروف ببعضها.
أوجدت لنفسها مسلكا لتعطي منه مسارا آخرا.
ولعل فيما قدر الله لكم من طريق جديد ، دربا آخرا للنهر آن الأوان أن يسلكه.
فقوة التيار الهادر لاتثنيه تلك الحصيات الصغيرة في طريقه.
(أيها المارون بين الكلمات العابرة) عذراً إن قصرنا ….
وهنا لا أجد أفضل من قول مصطفى صادق الرافعي: (إنّ من الناس من يختارهم الله؛ فيكونون قمح هذه الإنسانيّة: ينبتون ويحصدون، يعجنون ويخبزون، ليكونوا غذاء الإنسانيّة في بعض فضائلها).
