تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

طوق الياسمين

 

إلهام السيابية

لمحت صفاء زميلها خالد وهو يناديها ويلوح لها من بعيد معلما إياها بمكانه، فمن كثرة الناس في ذلك المطعم لا مجال لرؤيته،
فتقدمت ببطئ من طاولته وجلست وهي تقول: آسفة لتأخري.
بينما هما يتحدثان تقدمت منهما طفلة صغيرة لا تتجاوز الثامنة من عمرها، تحمل عقودا من الياسمين الجميلة مصفوفة بطريقة رائعة ولكن خالد صرفها بعيدا عن طاولته بكل هدوء ، ولم تمضي لحظات حتى تقدم منه طفل صغير يحمل في يده كيسا بها علب من البخور وهو يقول : ألا تحب أن تهدي صاحبتك شيء من البخور المميز من صنع والدتي .
صرخ خالد قائلا : لا أريد شيئا، وإذا أردت أن اشتري لصاحبتي ستكون أنت آخر شخص أفكر فيه للشراء من عنده.

ولكن الصبي كان لحوحا فقال له : تصدق بالقليل ليعطيك الله الكثير.
هنا هاج خالد غضبا وهو يقول :
لم يبقى إلا أنت لتعلمني ، اذهب لشأنك،.ألا يمنعهم أحد، كيف يدخلون هكذا للمطعم.

هنا ابتسمت صفاء وهي تقول له : هون عليك فالأمر لا يستحق الغضب. إنه يسعى لكسب الرزق لا أكثر ولا أقل.
ولم تخفى تلك الابتسامة عليه وهو يقول هل تسخرين مني؟؟
أجابت بأدب :
كلا وإنما تذكرت نفسي عندما كنت في عمرهم.
فقال لها بمكر : عندما كنت في عمرهم لابد أنك تمزحين أن تقارني نفسك بهم،
قالت له بهدوء : أنت لا تعرف أي شيء عني، كلا ياخالد عندما كنت في سنهم كنت مثلهم وربما أسوء حالا منهم فتاة تسعى لتحقيق حلمها الصغير، تنفست بعمق وهي تكمل : خالد أريد أن أخبرك بأنني لست ابنة السيد هشام كما تعتقد وإنما جئت لأخبرك بالحقيقة، أنا ابنة رجل فقير الحال كثير العيال قليل المال إذا وجد قوتا ليومه تجده شاكرا حامدا، وإذا لم يجد رفع يديه للسماء متضرعا وهو يقول : قدر الله وماشاء فعل فهذه مشيئته، وعاد لأهله وكله أمل في الله أن الغد سيكون أفضل. ولأنه كفيف الحال عن طلب الناس ويسعى لطلب رزقه بالحلال ليكف أهل بيته عن الحرام، فعمله كسائق أجرة لا يكفيه، فبسعى للحصول على مال إضافي، بمسح مركبات الآخرين ويساعده في ذلك أبنائه، الذين يستيقضون من الفجر لأداء الصلاة في المسجد وبعدها يقومون بتنظيف المركبات، وعندما ينتهون يسرعون لمدارسهم ،وهم يحملون كتبهم بأيديهم، لم يكن لديهم حقائب مدرسية بل كانوا يضعون كتبهم في وسط الحزام ويغلقونه ويحملونها على أكتافهم، وثيابهم المدرسيه رثة وحالتهم مؤسفة ورغم ذلك لا يطلبون العون والمساعدة من أحد، ورغم أنهم كانوا يشعرون باليتم لوفاة أمهم ولكن أباهم عوضهم بحنانه ولطفه عن غيابها، هو يعلم أنهم بحاجة لامرأة ترعاهم وهو غير قادر على الزواج ليضيف لأسرته عبئا جديدا.
تقدم من والدي السيد هشام وترجاه أن يأخذني أنا وأختي ليقوم بتربيتنا مع زوجته، التي كانت عاقرا ولشوقها الشديد للاحساس بالطفولة ليسعدها عرض على والدي الأمر فوافق مرغما على ذلك فعمله كان يقضي وجوده خارح البيت طوال اليوم وهؤلاء بنات بحاجة لمن يعتني بهن بالفعل وافق أبي على أن يسمح له بزيارتنا في أي وقت يشاء. وعشنا مع أمنا الجديدة اسمها غنيمة، أروع لحظات السعادة والنجاح وطاب لنا المقام معهم فلا يقصرون علينا لا بمال أو ثياب أو طعام كل ماتشتهيه النفس وكل مالذ وطاب بين أيدينا، وكنا نخاف أن يتراجع أبانا عن قراره ويأتي ليأخذنا ولكنه التزم بالوعد، فكان يأتي ليرانا ويأخذنا معه بجولة بسيارة الأجرة ثم يعيدنا مع توصيات ودعاء الحفظ.

تلك الساعات التي كنت أقضيها مع أبي هي من أجمل اللحظات والساعات ترد لنا الأرواح والسعادة والأمل والبهجة في القلب، والأجمل أن إخوتنا كانوا معنا فتلك اللحظات لاتعوض أبدا،
ولكن بعدها مات أبي وبقينا في بيت السيد هشام يعاملنا كبناته ولا ينقص علينا بشيء، ولكن إلى متى سأبقى تحت كنفه؟ علي أن أنجح وأحقق ما أريد، فحصلت على أعلى الدرجات في مدرستي ودخلت أرقى الجامعات وتخرجت بامتياز وحصلت على وظيفتي كمهندسة معمارية وانفصلت عن عائلة العم هشام لأعيش حياتي كما أريد، لن أنسى أفضالهم علي، لقد غرسوا حب الحياة في نفسي ولكني أيضا لا أنسى ماذا كنت وكيف صرت، فأحمد الله على كل شيء دبره لي.
ثم نظرت لخالد الذي كان يستمع مندهشا ثم قال لها : إذا كنت لا تريدين الزواج بي لا داعي لتأليف مثل هذه القصص.

وهنا وقفت وهي تقول : أعرف أنك لا تحب إلا السمعة والشهرة وأنك أردت الزواج بي من أجل أن تتقرب من السيد هشام أبي الروحي، لذلك أبحث لك عن فتاة أخرى بعيدا عن عالمي.

وخرجت من المطعم وأثناء محاولتها لتشغيل المركبة تقدمت منها الفتاة الصغيرة بإبتسامة رقيقة وهي تقول : أتحبين أن تتزيني بطوق الياسمين؟؟
نظرت صفاء لأطواق الياسمين وهي تقول لها : أعطيني إياها كلها وعودي للبيت. وأعطتها مال إضافي وهي تقول لها :
انتبهي لنفسك.
وأسرعت بالخروج من هناك وهي تدعو الله أن يساعد تلك الصغيرة ويحفظها مثلما أمدها الله بالعون واستطاعت أن تحيا من جديد.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights