ويك … هم ليسوا سواء
علي بن مبارك اليعربي
نتداول كلماتٍ و ألفاظاً يكون في ظاهرها الارتباط في المعنى و المضمون و أحيانا ترتبط بالهدف والمغزى، لذلك توصف به .
و في بعض الأحيان يكون تفسيرها نابعا من ذات الشخص المنعوت بالصفة و يعتمد على سلوكه عند التطبيق كي يتمكن عموم الناس وخواصهم من التفريق بينهما في المعنى، كلفظ وظيفة و مهنة هاتان كلمتان نستخدمهما في الغالب لنصف بهما عمل شخص ما.
فهما في حقيقتهما وواقع حالهما- في نظري – مختلفتان تمام الاختلاف. فالوظيفة عمل يقوم به شخص بانتظام لا يتغير، يكسب منه دخلاً محدداً ويعتبر نمطاً من أنماط التوظيف يحتاج أنواعاً مختلفة من الخبرات،وبما أنها لا تستمر لفترة طويلة فهي ميزة كي يتعرف الإنسان على رغباته ويحدد مساره الوظيفي، وغالبا لا تحتاج إلى خبرة عالية لإنجازها، و قد لا تتوافق مع قيمك ومبادئك كما أنها نادرا ما تؤدى إلى التطور داخل موقع العمل.
أما المهنة فهي صنعة يقوم بها الشخص لفترة طويلة من الزمن، تتطور معه وتنمو مع الزمن وتنضج بنضج صاحبها ويؤديها بشغف وحب، ويبذل فيها الجهد العقلي قبل العضلي ليجعلها في نهاية المطاف متناغمة بين العقل والعضل، لذلك تمتاز بالتقدم التصاعدي ، كما أن مسارها محدد وواضح يساعد في تحقيق أحلام شاغلها ، وتكون متناغمة مع قيمه ومبادئه كما أنها تجعل منه قيمة مضافة في مكان وزمان امتهانها.
وكي يكون الشخص محترفا في مهنته عليه الالتزام بالوقت والمثابرة والتفاني والإخلاص وفق خطط مدروسة.
لذلك عندما يصل الفرد إلى سن معين في الوظيفةيحتاج للتغيير والتجديد كي يستطيع الاستمرار في أداء مهامه بشكل طبيعي رغم تقدمه في العمر وقد يجد نفسه في وضع أفضل عما كان عليه في وظيفته السابقة وتزداد همته ويكثر إنتاجه. فهذا يكون التقاعد بالنسبة له نعمة له لا نقمة، إلا من تجاهل قدراته وأشعر نفسه والآخرين بأنه لا طائل منه ولا رجاء في القيام بأي شيء آخر غير ما كان يؤديه في الوظيفة وركن إلى الراحة والدعة
ومال إلى الكسل والخمول فأصبح عالة على أسرته و مجتمعه معطلاً للعقل والجسم.
بخلاف صاحب المهنة فكلما كانت فترة ممارسته لها طويلة كان تمكنه وقدرته على أدائها متميزا ونواتجه منها جيدة أصيلة، وليس من السهل الاستغناء عنه بنفس السهولة التي نستغني بها عن صاحب الوظيفة فهم ليسوا سواء فالإحلال في صاحب الوظيفة لا يكلف المؤسسة أي تبعات؛ فوظيفته محددة لا تحتاج ممن يحل محله أي جهد في استيعابها و لا يستغرق الوقت لذلك بخلاف صاحب المهنة، فتبعاته المادية على المؤسسة كبيرة للحصول على المستوى المطلوب من الإنتاجية، و يحتاج إلى فترة زمنيه طويلة وإلى دورات تدريبية لتعزيز قدرته الإنتاجية، وهذا ليس بالأمر السهل فهو يحتاج للجهد والمال.
ولذلك يجب أن نعي أنه من الصعب علينا الاستغناء عن أصحاب المهنة إلا إذا قلت همته وضعف أداؤه
ساعتها نقوم مجبرين بالإحلال و الإحالة إلى التقاعد.
وإن كنت أرى أنه من عمق التفكير و الإبداع الإداري ألا يترك صاحب المهنة وذو الكفاءة العالية المتقاعد دون الاستفادة من خيراته وخبراته، وهذا ما يتم تطبيقه فعلا في بعض الدول المتقدمة تحت مسمى بيوت الخبرة فمهنتا التدريس والطب على سبيل المثال لا الحصر، يصعب التكهن بعواقب الاستغناء عنهما وإحالة أصحابها إلى التقاعد دون وضع قاعدة عريضة للإحلال .
فهاتان المهنتان خصوصا كلما قدمت نضجت، أي زادت مهارة وإتقانا.
فلنمعن التفكير ولا نستعجل القرار فالخسارة كبيرة و فاتورة التفريط فيهم ثقيلة مقارنة بالمهن والوظائف الأخرى لأن أصحابها يتعاملون مع عقول بشرية؛ لهذا فهي من أصعب المهن على الإطلاق في مجالي التنمية والإعمار، لهذا أقول لكم ويك ..هم ليسوا سواء.