بلاغة المثل في الحياة
د.ة للا زوليخة بابا
تمتلك الأمثال بلاغة خاصة في التعبير عن المعاني الحياتية،فهي في كنهها تتضمن الكثير من الدلالات العميقة التي تختزل الكثير من الحكم والعبر ولعل المثل جاء لذلك السبب،اي إنارة الإنسان وتوجيهه في الكثير من الأمور الحياتية،فهناك امثال تحمل توجيهات قيمية أخلاقية وهناك امثال تدعوك للتامل وأخذ الأمور بعقلانية ومنطق سليم،واخرى تسخر من كل مامن شأنه أن ينتقص من الإنسان أو يمسه في نسقه الفكري والقيمي.
ويمكن القول إن لكل مثل قصة أفرزته الى الوجود الانساني،واصبح متداولا بين الناس ينهلون من حكمته ويعتبرون بما يحمله من عبر،واحيانا تحمل طرافة وحكمة في نفس الوقت،ويمكن استحضار هنا المثل العربي القديم ” عاد بخفي حنين ” يحكي هذا المثل قصة الاعرابي الذي ذهب الى حنين صانع الأحذية واراد أن يشتري منه خفين وظل يساومه كثيرا إلا أنه ذهب في الاخير ولم يشتري ممااغضب حنين فأخذ الخفين ورمى بأحدهما في طريق الاعرابي ،وحينما رآه هذا الأخير قال مااشبه هذا بخفي حنين ثم أكمل مسيره وكان حنين قد رمي بالخف الآخر على بعد امتار في طريق الاعرابي واختبا ليراقبه فلما صادف الخف الآخر قال ليتني اخذت الخف الاول ثم نزل من ناقته ليعود إلى الخف الاول لاخذه،حينها خرج حنين من مخبأه وأخذ ناقة الاعرابي وماتحمله ،وحينما عاد الاعرابي الى قومه سألوه ماذا جلب معه قال لهم عدت بخفي حنين،ثم بأت هذا المثل يضرب في فشل الأمور والاحساس بالخيبة.
ولعل هذا المثل يحمل الكثير من المعاني والدلالات العميقة فبالإضافة الى الإحساس بالخيبة وفشل الأمور فهو يدل ايضا على عدم تسيير الأمور بشكل صحيح،ويدل على التعامل مع الأشياء ببساطة وسذاجة قد تؤدي إلى سوء النتيجة في النهاية،او عدم تقدير الأمور بالشكل المطلوب،ولهذا فعلى الإنسان تحمل العاقبة بصدر رحب لأنه كان مسؤولا عما حصل له،وان ياخذ العبرة منه.
كما تنتشر الكثير من الأمثال في حياتنا اليومية،ونوظفها باستمرار معززين بها كلامنا وهي بهذا تمنح تعبيراتنا الكثير من القوة والبلاغة،فحينما نستشهد بهذه الأمثال في سياق حديثنا فاننا نعزز مانقوله من خلال المثل ولعل ما يحمله المثل من قوة في المعنى وبلاغة في التعبير هو مايحول لغتنا إلى لغة موجزة ومختصرة على أساس أن المثل قد أوجز الكثير من التعابير والالفاظ،فهو يحمل معاني عميقة تحول ثرثرة الإنسان إلى كلام موجز مختصر وعميق،وهذا من الخصائص التي تتميز بها الأمثال التي تزخر بها ثقافتنا العربية،ففي موروثنا الثقافي العربي مخزونا هائلا من الأمثال الحكيمة التي نستند عليها في تواصلنا اللغوي والتي تساهم في تعزيز بلاغة التلقي فهي مختصرة مفيدة عميقة تسمو بالخطاب الى أفضل المراتب التواصلية،وتجنب المتكلم الكثير من الثرثرة والمراوغات الكلامية التي قد يسقط فيها الإنسان وهو يحاول التعبير عن أفكاره وعن مبتغاه أمام متلقي قد يمل من كثرة توظيف الكلمات من اجل إيصال فكرة معينة،ولهذا كان المثل هنا سيد الموقف،فمهما تعددت السياقات اللغوية لابد أن يكون هناك مثلا معبرا، فثقافتنا غنية بكنز يسمى الأمثال.
هكذا تعبر الأمثال عن الحكمة في الحياة،ووتحمل مغزى عميقا في كيفية التعامل مع الاشياء،وكيف ينبغي أن يعتبر منها الانسان في كيفية تعاطيه مع أمور الحياة ومواقفها،فلاابلغ من المثل في إيصال فكرة أو رسالة ذات مغزى،ولا ابلغ من الإنسان الذي يخطئ ويتالم من عواقب خطأه ليستفيد الآخرين من خطاه ويتجنبون سلك نفس المسلك الذي سلكه والذي أوقعه في جحيم الخطأ حيث لن ينفع الندم بعد الخسارة والهزيمة.