أحمد الحراصي
عن الرواية: رواية
2/6
مرت سنة وجاء وقت اللقاء في مطرح يستهلها البرتينو ابن الكاتب اورنالدو فيصف مطرح ويقارنها بنظيرتها روما حيث الزحام وصناعة السفن واختلاط الجو بنشارة الخشب فتسود الرائحة بين أوساط العامة حيث يلتقي بإيمان ووالدها لكن خلف لا يظهر بينهم فهو منشغل في تلك اللحظة فيسري في الكاتب أن هناك خطب ما في هذا الشاب فهو مختلف عنهم شخص بعيد كل البعد عن أبناء الساحل والبحر فيسأل صاحبه عنه فيجيبه عن حسن ظنه به فهو من الجبال من سفوح قرية الغيل… القرية التي لا تكاد صفحات الرواية مستمرة في ذكرها فهي القرية نفسها التي ألهمت الكاتب والبطل معا فكلاهما بعيدان عنها.
فها هو ماجد دائما لا ينسى القرية التي عاش وتربى فيها حيث ذكرها ذات يوم أمامي ونحن على أعتاب الدراسة بمدرسة ناصر بن مرشد الثانوية للبنين تحت ظلال تلك المظلة الخضراء أنه يشتاق للقرية قلت له ممازحا ما بالك ولهذه القرية التي عفى عنها الزمن قرية متهالكة لا تضاهي المكان الذي أنت فيه الآن لكنه أبى أن يستمع حيث قال لا يوجد قرية تضاهي قريتك التي عشت فيها وتربيت وكبرت لكن فجأة يخطر ببالك هجرانها يبدو أنك لن تعرف هذا إلا أن تعيش اللحظة التي أنا اعيشها الآن..
انتهى الكلام منذ زمن طويل لكن لا تزال الغيل لها حظ وافر في سطور الرواية تبدأ بها وتنتهي بها وما بين البداية والنهاية تظهر الغيل في جوهر الرواية.
بعد أيام ليست بالطويلة تتوفى أم البرتينو زوجة الكاتب الشهير ارنالدو فتدفن في صور ليحكي قبرها قصة إيطالية توفيت في عمان ودفنت فيها. الحنين نفسه الذي عاد بألبرتينو مجددا إلى عمان بعد مدة أكثر من ٥٠ عاما ليبحث عن قبر أمه في صور متسائلا عن مكانه بين المسنين اللذين من المفترض أنهم يعرفون عن مكانه كون لهم ذاكرة عبق ذلك التاريخ الممتد من تلك الفترة.
تستمر الأيام وبينما هم في صور لازال خلف عنيدا بطبيعته إلى أن يأتي اليوم الذي تقترب فيه خيوط العلاقة بين الكاتب ارنالدو وخلف.. حيث يصاب خلف بقدمه أثناء اشتغاله في صناعة السفن ولم يكن هناك من يستطيع علاجه إلا هذا الكاتب حيث لديه ما يكفي لعلاج خلف فتغير هذه الحادثة من طبع خلف وتربط العلاقة بينهما.
لازال خلف شخصا طموحا يطمح لأن يجد ضالته وشغفه في التجارة التي لا يستطيع إيجادها هنا في عمان كون أن الوضع متأزم وأن الأمر بات أقرب ما يكون لأن يرحل خلف إلى بلاد الصومال… البلاد التي كان يحدثه بها عمه ويمتدح تجارتها التي لا تتوقف.. وهذا ما كان يشغل بال خلف هي التجارة بعينها.. لم ينسها خلف وها هو اليوم يستعد للإبحار ولكنها ليست المرة الأولى التي يبحر فيها بل هو شخص يعتمد عليه في أن يكون نوخذة السفينة وربانها.. يبحر خلف ويأخذ من يأخذ معه من زوجته وابنه الوحيد أحمد مع عمه النوخذة وقد لا ننسى صديقه العجوز الكاتب السيد ارنالدو اولونزو مع ابنه الصبي الذكي كما يصفه خلف يستفسر بذكاء ويحلل الأحداث بذكاء وقد لا يخفى يوما لأنه أصبح عميلا إيطاليا بما يتصف به من صفاء الذهن واحتراف مهارة قد لا يمتلكها ممن هم في صفه من العملاء وهذا ما جعل القائد زلميرا يعتني به كي لا يفقده يوما.
وها هم الآن وكأنني أراهم عندما يصفهم ماجد إنهم يقتربون من ميناء بربرة بالصومال في حين يتسائل البرتينو فهو يعرف جيدا أن هذه المدينة تحت الاحتلال البريطاني فما الذي يجعلهم يجرون نحو حتفهم؟؟ هل هي روح خلف الشغوفة أم انها تقنية والده العجوز الذي لا يضيع شيئا من قلم يده دون أن يدونه… القلم الذي يكرهه السيد ألبرتينو لانه يرى أن المبالغة في التعبير عن ما يحدث هنا هو زيادة التوتر والمشاحنات لا أكثر .. هذه المبالغة لا يفهمها هو ومن غيره من العامة أنها لغة الصحافيون والساسة… لم يجد الإجابة من أبيه فكيف سيجدها في خلف… خلف كل ما يهمه هو التجارة فقط لا يهمه ما يحدث بين إيطاليا وبريطانيا.
لدى وصولهم يلتقوا بيعقوب الثائر الليبي الذي ترك خلفه أهله هربا من الإعدام كونه مطلوبا من قبل الإيطاليين اللذين احتلوا ليبيا… يلتقي بهم وهو طريحا لا يقوى على الحراك بعدما تخلص لتوه من مطاردة كانت وشيكة أن ترديه ميتا لولا احتمائه بمياه البحر… يلتقي به خلف مع ارنالدو ذو البشرة الحمراء يعرف من سيما وجهه إنه إيطالي.. يرفض يعقوب أن يلمسه نجس مثله ولكن لا محالة حياتك بين يديه هكذا كان يقول له النوخذة أنت مدين له بحياتك وعليك أن تهدأ. يعالجه من أجل الإنسانية تاركا العداوة بين البلدين خلفه.. العداوة التي يموت فيها البريء مدافعا عن وطنه بما يملك من حيلة يراها مناسبة للدفاع ويحيا فيها الجبان وفي يده بندقية مفتخرا ما فعله بين رؤسائه وما يدريك أنه قد يأخذ صورة وهو يدوس على جثة أحدهم قد قتله للتو هكذا قد تكون نفسك حينما تتخلص من الإنسانية ولكن عندما تدركها تعرف ما عليك فعله كما فعل ارنالدو.
أثناء وصولهم يحدث إعدام أمام مرأى أهل القرية من قبل جنود ايطاليين بينهم ضابط.. نحو ثلاثه أشخاص قد تقدموا أمام منصة الإعدام ومن بينهم فتاة.. يرى الجميع حيث يستطيع أن يرى من أمام نافذة منزله المختبئ فيه وها هو الضابط يتحدى خروجهم من أمام منازلهم واصفا لهم بأنهم أشبه بالنساء ولكن من يتجرأ غير أبكم وأطرش يراه الجميع يخرج غير مبال بطلقات الرصاص التي أطلقها الجنود للتو في الهواء.. يتقدم ذلك الأبكم والأخرس متجاوزا الضابط والجنود وبيديه كتب كان يوزعها بحثا عن الشجاعة التي قد يجدها في هولاء.. وصل إلى فتاة من المحتمل أنها ابنته عندما صاحت قائلة أبي ما الذي (خرجك سيقتلونك ولكن بالرغم أنه أطرش وأبكم فلديه الشجاعة والجرأة أيضا أن يتحدى ويواجه ما لم يستطع غيره ممن هم أصحاء.. يحتضن ابنته ويستوقف الضابط تلك الكتب التي تناولها ليعرف ما بها كانت الكتب للشيخ محمد عبدالله حسان(قائد صومالي قاد الجهاد ضد الاحتلال البريطاني والإيطالي والأثيوبي في الصومال في مطلع القرن العشرين) ليجد أنها تبحث عن ثائر ضدهم فيثور غاضبا فيأمر بإعدامهم هو وابنته على الفور.. الجميع كان يرى ما يحدث ومن بينهم خلف مع زوجه وابنه وارنالدو مع ابنه والنوخذة ويعقوب .. أرادوا الخروج لإيقاف ما يحدث غير أن يد النوخذة شدتهم للرجوع لكن هذا قد لا يحدث مطولا للكاتب ارنالدو عندما رأى بعينيه أول إعدام يتحدى الجميع للنزول قائلا أنا إيطالي مثلهم فلن يستطيعوا قتلي فسأذهب إليهم لكي يوقفوا ما بدأوه…. يخرج رجلا طويلا أشقر أحمر البشرة بذهول الجميع ممن هم في الساحة هم يعرفون تماما أنه إيطالي مثلهم ولكن ما الذي جاء به هنا.. يصل ويكتفي بقول أوقفوا ما بدأتموه..
يستشيط الضابط غاضبا قائلا ومن أنت كي توقف هذا الأمر.. أنا ارنالدو الونزو وأطالبك بإيقاف هذا فجأة ينتبه مساعده أن هذا هو الكاتب الشهير ارنالدو الونزو بعينه حسنا إذا ولكن هذا لا يعني أنك قادر على إيقاف أمر محتوم من القيادة العليا.. أراك لا تعرف أنه لدي حصانة من رئيس الوزراء الإيطالي موسوليني قد يتعداك أنت وقائدك… تظهر الكلمة موسوليني لأول مرة في الرواية قد لا يعرف البعض أنه رئيس وزراء إيطاليا لكنها تظهر الكلمة معرفة لنفسها فماجد يعرف جيدا أنه بحاجة أن يعرف الكلمة التي لا يعرفها الكثير.. بعد هذه الحادثة بدأت موسوليني تتضح أكثر للجميع…