حزيرانُ احْتضِنّي لُطْفًا!

عزماء الحضرمية

أيارُ المَاكثُ فِي صَدرِي طَويلًا، لمْ أكُنْ أعلمُ أنّك -بصَمتِك الظّاهرِ المَشبُوه- سَتَنْفَجِر؛ حتّى زَاحَمْتَ طُرُقَاتِي لِتُصْبِحَ بعدَهَا الفَوضَى التِي تَغمُرُ حيّنا السكَنِي – سَابِقًا قَبْلَ انعِدامِ الحيَاةِ فيهِ – فَوضى فِي قَلبِي لَا أَكثَر، تتَمدّدُ خِلالَهَا الذِكرَياتُ يومًا تِلوَ الآخَرِ لتَسْتَقِرّ دَاخِلِي، فَأتَنهدُ مِنْ خَيْبَةٍ لِتَتْبَعَهَا أُخْرَى.

أيارُ الرّاحِلُ عَلَى عُجَالَةٍ اليَوم، لَمْ تَكُنْ لَطِيفًا مَعِي، فقد أَحْدَثتَ فَجْوَةً عَارِمَةً فِي مُسْتَودَعِ عِلاقَاتِي، فتَخَليّتُ عَنِ الكَثِير، ولقَدْ شَرِبْتُ فيكَ أرَقِي المُعَبّأ مُنْذُ بِدايَةِ صَبَاحِي حَتّى انْتِهاءَ يَومِي، ومَا وَجَدتُ نَفْسِي فِيكَ إلّا لُعبَةَ شطرَنْج قَتلَتْ مَلِكَهَا بنَفْسِهَا، هَذَا الوجَعُ الخَارِجُ فِي كَلِمَاتٍ مَبتُورَةٍ -لَا تَعْنِي لِي شَيْئًا- قَدْ يَسُرُّ بَعْضَ النّاظِرينَ إليْهِ لَكِنّه يَقْتَاتُ منْ صَبرِي وَيقتُلُ مَسَافَةَ الصّمْتِ التِي اتّخَذْتُهَا مُنْذُ مُدّةٍ بِعُزْلَتِي، لَو أنّنا تَقَاسَمْنَا حِصّتَنَا البَائِسَة مِنَ النّسيَانِ؛ لأصْبَحْتُ أكثَر أمَانًا مِنَ الآن!

هذِهِ المرّةُ لمْ تَسَعْنَا الكلِمَات، فَقْدْ مَهّدْتَ لنَا لِقاءً صَامِتًا، سُقْتَ إلَيّ عَذابَاتك منْ كُلّ حَدبٍ وصَوْبٍ، وأُسْقِطَتِ الخَيبَاتُ بِوجهِ الحَقِيقَةِ المُنْتَظَرَةِ التِي غُيّبَتْ عَنّي. حَضرَةَ أيار المُوجِع، لقَدِ امْتزَجُوا بِعُمْقُي؛ لِيُصْبِحُوا أحْرَارًا لَكِنّنِي اليَوْمَ أُخْرِجُهُمْ مِنْ جَنّتِي؛ لِيُصْبِحُوا مُجرّد أفْكارٍ سَاذَجَةٍ تَطْفُو عَلَى سَطْحِي، لَنْ أُغرِقَهَا مُجَدّدًا، فقَدْ أَفَقْتُ!

أيارُ الواقِف عَلَى سُطُورِ رِسَالَتِي هَذِه، أَنْصِتْ لإيقَاعِي المُتدَفّقِ خَلَفَ سَرَيَانِ الكَلمَاتِ المَشدُوهَة، فقدْ أَرْهَقَتْنِي عَذابَاتُ أَسْئلَتِك، وحَاولْتَ كَثِيرًا خَطْفَ ابْتِسَامَتِي لَكِنّني مَا التَفَت! أيارُ انهيار الذّكْرَى على الذّكْرَى وتَآلُفِ النّبضِ عَلَى النّبْضِ، لقدْ كُنْتَ الشّاهِد الوحِيد عَلَى انْكِسَارَاتِي، وهَزَائِمِي الجَارِفَةِ -دُونَ دَعمِ الأَصدِقَاء-، لا تَرحَلْ قَبْلَ أنْ أُعْلِنَ انْتِصَارِي عَلَيْكَ!

لَو أنّنِي أَكُفّ عَنْ مُصَافَحَةِ هَذَا الشّعُور الحَارِق فقَط، حزيرانُ احْتضِنّي لُطْفًا!