جودة الوقت وكميته في حياتنا المعاصرة
خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي
يعتبر الوقت في حياتنا هو أهم مرتكزات الإنتاج مشتملاً على جميع صفحات سلوكنا وعباداتنا وأداء الواجبات الخاصة والعامة ، وكما أنه يتوجب علينا التركيز على إدارته واستثماره ؛ فإن علينا أيضاً أن نضع في الحسبان الفرق بين الكم والكيف وبين الكم والجودة في شتى جوانب حياتنا العامة والخاصة ؛ فإنّ المفهوم المعاصر للإدارة يعني حسن استثمار الوقت وإدارته بفعالية؛ وذلك لمواجهة الواجبات والمتطلَّبات الحياتية ما بين حق الله، وحق النفس، وحق المجتمع.
فبعيداً عن الفلسفة النظرية وتعقيد الأمور لفهم ما نريد طرحه ليتناسب مع عنوان المقال ؛ فسوف نسهل الأمر ببعض الأمثلة لنصل بكم إلى بساط الحكاية لنأخذ جزءً من وقتكم الثمين ليتناسب مع أطروحاتنا وشغفكم للتعرف على هدف المقال.
لو تساءل كلاً منا عن كمية الوقت وجودته في الحياة الأسرية ؛ ماذا يعني لنا وما هي أهميته ، لوجدنا أنفسنا قد فرطنا في كثير منه دون فائدة وما هو إلا كم دون جوده ، وخير مثال على ذلك أنه أصبح الكثير منا يقضي وقته مع أسرته في اليوم بين ساعة وثلاث ساعات بالجلوس معهم في البيت أو في نزهة أو في أي مكان كان دون ممارسة نشاط معين أو مناقشة موضوع معين أو مجرد جلوس أمام شاشة تلفاز أو جلسةٍ عامة وكل منا ممسك بهاتفه المحمول ويتفاعل مع نوع ما من وسائل التواصل الحديثة دون الإكتراث بمن حوله أو ربما جميعهم في حدٍ سواء ؛ فهنا يكون كم من الوقت دون منفعه ولا جودة في إدارته . أما إذا كان هناك هدف معين ليقضيا معاً وقتاً مليئاً بالتفاعل وتبادل الحوار واستثمار الوقت لشيء فيه فائدة ففي هذه الحالة تحققت الجودة والادارة للوقت.
كذلك الحال في حياتنا العملية فَلَو كنت موظفاً فعليك التفريق بين الكم والجودة ؛ فإن كنت ممن يستثمرونه بالشكل الدقيق دون تضييع له ولمصالح الآخرين لأداء الأمانة والواجب فبلا شك إنك ذَا همةٍ وجودة؛ أما إن كنت عكس ذلك فأنت مجرد كمٍ للوقت الضائع من عمرك وتفريط في تحملك للمسؤلية وتفتقد للمراقبة الذاتية التي تعينك على تحقيق جودة الوقت .
لهذا فقد وقع الكثير منا في الخلط بين المفاهيم وأصبحنا في حلقات مفرغه نشعر فيها بالملل أو الفراغ والسعي لإيجاد اعذار غير مقبولة للانغماس في وحل تضييع الوقت وأصبح الوقت في حياتنا أغلبه كماً وليس جودة.
لهذا حثَّ الاسلام على إدارة الوقت وسوف نُسأل عنه يوم القيامة ففي سورة الاسراء؛ يقول سبحانه : {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}. ؛ وكما ورد ذلك أيضاً في قولهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا تزولُ قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟…))، فالمسلم عليه ألاَّ يفرِّط في وقته، بل يغتنمه ويحرص عليه، فهو أمانة سيُسأَل عنها يوم القيامة، لا سيَّما إذا كان متعلِّقًا بالله أو بأحدٍ من خلقه.