2024
Adsense
قصص وروايات

بين الفتح وبدر (خواطر ودلالات)

راشد بن حميد الجهوري

لقد حفظت ذاكرة رمضان التاريخية للمسلمين مشاهد خالدة لا يمكن لغبار النسيان أن يغطيها، ولم تستطع القرون أن تحجب أنوارها، ومما زاد تلك المشاهد شرفا أن كان إمام فرسانها خير البرية وهادي البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أضفى على جمال معانيها قبسا من جمال خلقه وتبتله إلى ربه.

إن الخط الواصل بين غزوة بدر الكبرى وبين فتح مكة تقديره ست سنوات بالحساب الزماني، ولكنه في حساب الإنجازات العظيمة والبطولات المجيدة يتمدد إلى حد السمو الذي يبهر الألباب فتعجز مقاييس التقدير البشري أن توفيه حقه.

لقد كانت أيام رمضان بنفحاتها وبركاتها الإطار الذي تزينت به ذكرى الحادثتين، فكان بحق شهر الانتصارات والبشارات، فالأولى كانت فرقانا بين الحق والباطل، والثانية كانت فتحا مبينا توافد الناس بعده لدين الله أفواجا.

ثم تحرك القلم مسرعا نحو تلك المشاهد يستنطق معانيها، فإذا به يقف أمام (إذ تستغيثون ربكم) ليتخيل أعظم حالات اللجوء إلى الله والاستغاثة به في الأدعية الخاشعة الخارجة من قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) ليلة بدر العصيبة، لتكون بعدها الاستجابة والبشرى والاطمئنان، وهكذا هي معادلة الظفر والنصر في معارك الحياة لا تكتمل إلا بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وهنا تظهر مزية الجمع بين سلاح (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، وبين سلاح الدعاء الذي سطر القرآن الكريم فعاليته: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم).

وكما وقف القلم متعلما أمام مشهد الأدعية الخاشعة ليلة بدر، ها هو يقف وقفة أخرى أمام مشهد انحناءة الشاكر المتواضع لله، والتي تجسدت في موقف النبي (صلى الله عليه وسلم) عند دخوله مكة فاتحا منتصرا، هكذا يكون السمو بالنفس في لحظات الفرح، وهذه هي لحظات الاعتراف بفضل الله ونعمته.

وبعد: فقد جاءت هذه الحروف تستثمر من مشاهد التاريخ ما يبعث في النفوس معاني الثبات والدعاء والشكر والتواضع والصبر وغيرها، وما أحوجنا لمثل هذه المعاني في هذه الأيام.

وختاما: اقتبسوا من إشراقة البدر ما يضيء لكم دروب النجاح في الدارين، وألتمسوا من الفتح مفاتيح الخلق الحسن، وتذكروا أن رمضان شهر الانتصارات والبشارات فاستبشروا بزوال الغمة وكشف البلاء.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights