2024
Adsense
مقالات صحفية

محو أمية الثقافة

د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب ومؤلف أزهري

عِيب على طلاب المدارس وخريجي الجامعات نقصهم الظاهر في المستوى المعرفي وتدني مخزونهم الثقافي حتى صاروا يجهلون أموراً يلزم معرفتها لمن كان في سنهم أو أصغر منهم، فيقبح بمن قطع مرحلة طويلة من مراحل التعليم أن تكون المعلومات الأساسية جاهلاً بها.
إنْ كنا فيما مضى عانينا من أمية القراءة والكتابة حتى كانت الأمية تؤرق جميع المصلحين والغيورين على الثقافة فها نحن نعاني هذه الأيام من الأمية المقنعة، وهي أمية لا تقل خطورة عن سابقتها، وكما كنا من قبل في حاجة ماسة لمحو أمية القراءة فنحن في أمس الحاجة لمحو أمية الثقافة.
تتجه الأنظار حينما يُفتح موضوع الثقافة إلى (الجامعة) باعتبار أنها الجهة الرسمية التي تتحمل مسؤولية الثقافة ونشرها بين طلابها، وإن كنتُ أرى أن هذه النظرة لا تمثل الواقع الحقيقي لحجم المشكلة، ولا يحاول أرباب هذه النظرة التفكير بعمق في جذور المشكلة وأساسها.
إن كانت الجامعة مسؤولة عن توعية طلابها إلا أنها ليست مسؤولية كاملة عن هذه الأمية، وإذا كان من لوم يوجه فالأولى أن يوجه إلى المدرسة بمراحلها الثلاثة (ابتدائية- متوسطة-ثانوية) ذلك أن الجامعة يفترض أن تكون مرحلة للدراسة المتخصصة في العلوم، وغالب الطلاب يخرجون من المدارس في طريقهم للجامعات وهم أميون ثقافياً ومعرفياً، بل لا يكتسبون مهارة القراءة والاطلاع التي تتيح لهم الثقافة بأنفسهم.
الذي يجب أن يكون هو معالجة هذه المشكلة من أساسها في المدارس بإشاعة حب القراءة بين الطلاب؛ بحيث يخرج الطالب من مرحلة الدراسة وقد استوعب كثيراً من المعلومات ولا ينقطع عن التزود من المعلومات مع دخوله الجامعة، وتصير الثقافة ملازمة له في حياته الدراسية بمراحلها.
وإن أردنا فعلاً القضاء على هذه الأمية الثقافية فلابد من اتخاذ خطوات عملية ومدروسة تبدأ أولاً من التكوين الثقافي لدى معلمي المدارس، ونشر الوعي بالقراءة؛ لأنهم هم نواة إقبال الطلاب على القراءة والتزود من الثقافة، وأكثر الطلاب يجهلون قيمة الثقافة؛ لأنه لا يوجد أحدٌ من معلميهم يحدثهم عن أهميتها.
ولمعرفة الفارق بين المعلم فيما مضى والمعلم في وضعه الحالي أُحيلكَ على مقال الدكتور فؤاد زكريا: “كيف حصلت على جائزتي الأولى؟ الذي نشر في مجلة (العربي) الكويتية العدد 492، سنة 1999م، حيث حكى الدكتور قصة فوزه في مسابقة أقامتها وزارة المعارف (وهي وزارة التربية والتعليم) لطلبة التوجيهية (الثانوية العامة) خلال الإجازة الصيفية، وكان للجائزة وقعٌ في نفسه وعقله.
كان الكتاب المقرر في مسابقة اللغة العربية “تاريخ الجبرتي”، ولستُ في صدد الكلام عن قراءة الدكتور للكتاب قراءة واعية أو عن استيعابه لأحداثه، وإنما أتوقف عند قوله: “لم يكن العثور على “تاريخ الجبرتي” صعباً؛ لأنني وجدته في مكتبة المدرسة التي كانت عامرة بالمؤلفات القيمة، وساعدني أمين المكتبة على أن أستعير الكتاب بجزأيه طويلة الأمد” انتهى ما أردت ذكره من مقاله.
ولك أن تتخيل طالباً في مرحلة الثانوية يطالع كتاباً في التاريخ وأحداثه العظام، وإنّي أُعدّ مقاله وثيقة هامة تجلي لنا واقع الحياة الثقافية عند الطلاب في هذه المرحلة الزمنية، وتظهر صورة المكتبة المدرسية في هذا الوقت، حيث كانت عامرة بمثل هذه الكتب، الأمر الذي يفتقده بعض أماكن البحوث، وتجلي لنا قيمة المعلم في تذليل صعوبة القراءة لدى طلابه، الأمر الذي نفتقده في مدارسنا.
لا أنسى أن الثقافة مجهودٌ شخصي يقوم به الطالب نفسه، لكن طريق هذا المجهود يسهله المعلم، فيفتح لطلابه آفاق القراءة، وسبل الاطلاع؛ بحيث يحملهم عليها حملاً، فلا يدع باباً من أبواب الثقافة إلا دلهم عليه، أو طريقاً من طرق المعرفة إلا أرشدهم إليه، ولا شك أن المدارس في حاجة إلى ترسيخ سلوك القراءة لدى طلابها وجعلها ضرورة يومية وحاجة ملحة.
في الأخير: إذا ما أردتَ جيلاً واعياً قارئاً فابحث أولاً عن معلمين قارئين، فائتني بمعلمٍ قارئ أُخرج لك طالباً قارئاً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights