الخميس: 31 أكتوبر 2024م - العدد رقم 2308
Adsense
مقالات صحفية

في زمن كورونا

د.ة للازوليخة بابا.

في زحمة الحياة والكل في غفلة من أمره مستغرق في سباته ولايعلم شيئا عن مستقبل مجهول سيحمل له كل مفاجات الكون ،وعادة مايتطلع الناس للمستقبل بنظرة وردية، ففيه ستتحقق الأحلام والأماني الجميلة،لكن لا أحد كان ينتظر مفاجأة بطعم الخوف والقلق والموت الرهيب.

كثرت الحكايات والتساؤلات حول مجهول دمر البشرية،من أين أتى وكيف ولماذا ،صارت الناس تحكي وتشكي وتبكي،زلزال دمر الكون دون سابق انذار،لم يمنح الناس فرصة لتوديع أحبابها،ولاحتى التقاط أنفاسها من هول المفاجأة،دب الرعب في كل مكان ،لم يتسنى لأحد أن يستوعب الأمر المهول ،ذلك الشبح القاتل استطاع أن يعصف بالكون في وقت وجيز جدا ،لم يكن أحد جاهز لاستقبال الموت بسبب مجهول غير مرئي ،لم تفهم الناس ماذا يجري،أيعقل أن شيئا لايرى بالعين المجردة يستطيع أن يقلب الكون رأسا على عقب.

فق غير عادات الناس ونمط تفكيرهم وأسلوبهم في الحياة، غير كل شيء لم يترك شيئا في مكانه،أقفل الحدود بين الناس وعزلهم عن بعضهم لم يعد أحد قادرا على لقاء أهله وأحبائه كما كان الوضع سابقا,لقد تغير كل شئ.

استوقفتني بعض الحكايات المؤثرة،التي تلامس أنسانيتنا،كحكاية الممرضة التي عزلت نفسها داخل المستشفى عن أبنائها الصغار فمنذ بدا الحجر لم تتمكن من رؤيتهم،والمريض الذي كتب رسالة لزوجته يطلب فيها أن تخبر ابنهما ذو الثلاث سنوات بأنه يحبه وأنه كان صديقه الوحيد،ويتاسف له بأنه سيصبح يتيما ووحيدا بدون أب،ورجل الأمن الذي لم يعد قادرا على الاطمئنان على والده ذو الثمانين سنة خوفا عليه من نفسه،حكايات هؤلاء وأولئك علمتنا أننا كنا في نعمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى لكن لم نكن ندري. فما أصعب أن تدرك قيمة نعمة فقدتها فجأة وأنت لست جاهزا لذلك.

كورونا منح الإنسانية دروسا وعبر،لكن كم من معتبر اليوم يكون قد استوعب الدرس كاملا،كورنا جعلنا نتأمل بعض السلوكيات الجديدة : لاتصافح،اترك مسافة أمان بينك وبين الآخر ،ابق في منزلك،لاتزر أحدا ولايزو ك أحد مهما كانت علاقتكما،لاتسافر،لاتخرج إلا للضرورة القصوى،لاتذهب الى أماكنك المفضلة كالمقهى وصالة الرياضة والمنتزهات العامة وزيارة أصدقائك.

ولكنه في المقابل بث سلوكيات طيبة بين أفراد الأسرة الواحدة ،قربت بعضهم البعض قربت الآباء من الأبناء من خلال اللعب ومتابعة الدراسة،واهتمت الزوجات ببيوتهن وبمطابخهن أكثر ،وانشغل البعض بالقراءة وتأمل الحياة،والأكل والشرب سويا ،صنعت لحمة عائلية كانت مفتقدة نوعا ما بسبب انشغالات الحياة والعمل وظروف الدراسة.

تحية لكل هؤلاء الذين يقفون في الصفوف الأمامية لحمايتنا من الوباء،الذين يسهرون على أمننا وأمامنا،ويواجهون الموت عن كثب،غير مبالين سوى بتأدية الواجب،تحية لاولئك الذين يضحون بأنفسهم ويستنشقون عبق الموت من أجل جلب لقمة لأطفالهم،وتحية للنساء اللواتي كافحن شبح الموت الذي يمر من أزقتهن كل صباح،تحية لكل من تحدى الخوف،وواجه واقع كورونا بالإيمان والشجاعة،ورحمتك يالله لأولئك الذين رحلوا دون وداع.

لا أعرف رف كم من الأمور ستتغير وستحدث مابعد مرحلة كورونا،وكم من الأشخاص ستختلف عنا،وكيف ستختلف الطرقات والأسواق والشوارع والبيوت والأمزجة والأفكار والطباع،وكيف سبخلق كورونا فلسفة جديدة للحياة تعيد ترتيب الأوراق والأشخاص ،والقيم والمبادئ والقناعات والأساليب ،وكم من شخص سيسلم من التغيير،وكانه لم يكن في كوكبنا حينما مرت من هنا،وكم جراح ستترك وندوب غائرة،وذكريات لاتنسى ،وسيحفظ التاريخ حدثا غير مجرى الحياة،ونقش أنينه على ذاكرة متصدعة مزقها الهلع والحزن أربا أربا.

وسيذكر التاريخ لأحفادنا كيف اختبأنا من شئ لايرى بالعين المجردة وكأنه وحش ضخم مرعب،ربما سيستغربون أو يفهمون مالايمكن أن نفهمه ونستوعبه اليوم.

أتصور أنه لا يمكن لأحد أن يتكبر بعد اليوم،أو تسول له نفسه أنه قادر على فعل شئ لحماية نفسه أو غيره،فالحفيظ هو الله واللطيف هو الله والرحيم هو الله جل جلاله،فنحن لانستطيع فعل شئ من دون رحمة الله،فاللهم لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،يا أرحم الراحمين.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights