رمضان ومنهجيته في تربية الناشئة
علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل
هناك هدف يشترك فيه كل من على هذا الكوكب ونسعى إليه جماعات وأفرادا، حكومات ومجتمعات، قد لا يتفقون على شيء كما يتفق الجميع عليه ألا وهو موضوع التربية الصحيحة للناشئة، وكل له أساليب يسلكها في ذلك حسب المبادئ والقيم المتأصلة في كل مجتمع سعيا وراء التوافق المجتمعي للناشئة. وبمعنى أشمل وأعم فالجميع يهتم بالبناء والتعمير والتخطيط لمستقبل زاهر سواء كان ذلك في الأسرة أو المجتمع من خلال تربية الأولاد وتأهيلهم وإعدادهم الإعداد الجيد ليكونوا خير خلف لخير سلف. وقد يتخطى هدف الواحد من المربين بأن يكون من يؤدبه ويربيه أفضل بكثير مما كان هو عليه؛ لذلك يتبع أنواعا عديدة من الطرق والأساليب التربوية الجيدة ليكون متفوقا في مدرسة الحياة، يتقبل مرها وحلوها.
وما أسعدنا من أمة وجدت منهجا تربويا قد خط بأسطر وأحرف من نور لم يترك شاردة ولا واردة في تهذيب النفس البشرية إلا وتطرق إليه. و مما يجعل من المدرسة المحمدية سهلة الفهم والاستيعاب أنها لا تعتمد على التنظير بقدر اعتمادها على التطبيق والواقعية في حياة البشر، ولم تعتمد في تجاربها على الحيوانات لمعرفة قدرة منهاجها على ملامسة الواقع بل هو نظام رباني يعتمد على التطبيق العملي المجرد. و ها هو شهر رمضان المبارك به مسالك تربوية كثيرة لتدريب وتهذيب نفوس الناشئة ليتمكنوا من التوافق النفسي والاجتماعي ما يجعلهم قادرين على مواجهة وتحمل مسؤولياتهم في الحياة.
لذلك يعد شهر رمضان فرصة مواتية ومناسبة عظيمة خاصة في ظل الأزمة الراهنة لجائحة كورونا وما أوجدته د من اتصال أبوي يجعل مأموريته أسهل بكثير من ذي قبل في فهم وإفهام أطفالنا وإشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية والثقافية بما فيها الجوانب المادية. فمن خلال الصوم يتربى الناشئة على حفظ اللسان وتنقيته من اللغو والمنكر من القول، ويقوي في أنفسهم الصبر والتحمل على الجوع والعطش، ويلهمهم الهدوء والحلم والأناة، وكذلك يعودهم على حسن الخلق واحترام الوقت والنظام و التعرف على مجموعة من الأحكام والآداب التي ربما لا نجد الوقت المناسب والكافي لتعليمهم وتلقينهم إياها. كما يجب علينا أن نقرن صومنا في حياتهم بذكريات تسعد أنفسهم وتفرحهم مما يشجعهم ويحفزهم ويغرس في أذهانهم واجب الصوم وفوائده ولذته، و يجعلهم أكثر استعدادا وقبولا.
كما أننا نستخدم الإيحاء الإيجابي في تربيتهم بأنهم يمتلكون إرادة قوية من خلال صبرهم على الصيام والاستفادة من ألم الجوع الذي يشعرون به فيتذكرون من خلاله ألم الفقراء والمساكين، وهذا وذاك يهذب النفس وينمي الأحاسيس ويوقظ المشاعر، مع ترسيخ أهمية ضبط النفس على القيم السلوكية والعادات الحسنة التي تسمو بها أنفس الناشئة و تضعهم في مدارج النضج والكمال الاجتماعي، مما يشعرهم بالمشاركة الوجدانية والإحساس الانفعالي والعاطفي مع الآخرين، كما يغرس في نفوسهم الصدق والإخلاص والبعد عن الكذب والخداع والرياء، وكبح النفس عن الاندفاع وراء ملذاتها ورغباتها والتي قد تؤدى إلى الحقد والضغينة مع الغير.
وكما قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ،وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم).
ويضفي الصيام في الناشئة التقوى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني المراقبة لله في السر والعلن والخشية من عقابه والأمل في رحمته مهما ضاقت بنا السبل أو تخطفتنا أمواج الحياة، وهي الحكمة العظيمة من فريضة الصوم والهدف الأسمى لوجوبه.
لذا، فالناشئة أمانة يتحملها المربون في الأسرة والمؤسسات التعليمية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام مصداقا لقوله تعالى في محكم التنزيل : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾