سعياً لفهم معنى الحياة
محمود بن خلف بن ناصر العدوي
إن فهم الحياة يتطلب منا البحث العميق سواء أكان بالقراءة
أم بالتأمل والتفكر في كل ما يحيط بنا من كائنات وكواكب ونجوم سماوية وكيف أنها تتفاعل مع بعضها البعض لتزهر وتزدهر لتصل إلى التكامل الذي يتكفل بصنع التوازن فيها ، وهذا مطلب أساسي لكل إنسان يعيش في الحياة الدنيا فنحن لم نخلق عبثاً لنقول ونفعل ما نشاء .
وعندما ندرك أن الحياة التي نعيشها الآن ما هي إلا حياة قصيرة، أيامها معدودة ومكتوبة في لوح محفوظ لا يعلمها إلا خالقها، وهي تمثل طريقاً للوصول إلى الحياة الأبدية فإن هذا الإدراك يتيح لنا وسائل التعامل مع أنفسنا ومع الآخرين فيجعل النفس في حديث مع ذاتها لتصحح ما نقوم به من أخطاء وهفوات.
فديننا الحنيف جعل الدنيا ميدانا للتنافس والإعمار، التنافس الذي
لا ضرر فيه ولا ضرار، التنافس الذي يوصل إلى الحياة الأبدية وهي الجنة وليس التنافس الذي يؤدي إلى العراك بين البشر وتغليب الشر على الخير.
وفي هذا الجانب نظم ديننا الإسلامي الحياة بجميع فروعها (الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية) وكل جانب من هذه الجوانب مرتبط بالآخر، فالشريعة الإسلامية جعلت القرآن والسنة النبوية المنهج الأساسي في كيفية إدارة هذه الجوانب بما يكفل استمرار الحياة ويصنع التوازن فيها.
حظيت الإدارة في النظام الإسلامي باهتمام بالغ لجميع جوانب الحياة المختلفة، فقد نظمت الإدارة على مر العصور الإسلامية شؤون الأفراد، وحددت كيفية توزيع الثروات، وإدارة الأمور الاقتصادية والسياسية. فسورة يوسف عليه السلام تشتمل على معظم الجوانب الإدارية (دينية، اجتماعية، اقتصادية، وسياسية، فقد كان عليه السلام أميناً ومخلصا وقوياً لما تولى الإدارة وهذا يمثل الجانبي الديني والأخلاقي، أما الجانب الاقتصادي فقد وضع يوسف عليه السلام خطة اقتصادية بدءاً من الإنتاج الزراعي للقمح ووصولاً إلى تخزينه واستهلاكه بما يضمن وجود محصول كاف في فترة السنوات السبع العجاف، كما حدد عليه السلام مقدار حصة الفرد على القمح بما يضمن العدل والمساواة بين الأفراد جميعاً وهذا يحمل البعد الاجتماعي والسياسي. هنا نجد أن الشريعة الإسلامية المنبثقة من النصوص القرآنية أو الأحاديث الشريفة لم تغفل جانبا من جوانب الحياة المهمة.
يقول عزوجل في محكم كتابه} وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان {فالمجتمع السليم هو الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح فيما بين الافراد ليصبح المجتمع مجتمعاً متماسكاً فتبنى الحياة التي يعيشها الفرد على أسس متينة وقوية فتسود المحبة وتزداد الأخوة بين جميع الشعوب، وهذا جزء يمثل الجانب الاجتماعي في الحياة البشرية. وعندما يصلح أفراد المجتمع دينيا وأخلاقيا فإن الحياة الاقتصادية والسياسية تسير بشكل صحيح.
وفي الجانب الاقتصادي للحياة فإن الشريعة الإسلامية حددت أخلاقيات التعامل المالي وكذلك أخلاقيات الكسب والإنفاق والإمساك من خلال نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة، وقد اعتمد الكثير من المختصين في مجال الاقتصاد هذه النصوص والقوانين لتكون جزءً من النظريات الاقتصادية. وفي هذا الجانب يقول الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر” إن المقصود بالإسراف والتبذير من السفه، من المنظور الإسلامي هو ما يجاوز حد الاعتدال والوسط في الإنفاق والسلوك· ويضيف أن الإهدار للموارد الاقتصادية يعتبرا هلاكاً للأموال والأنفس، وزيادة فى النفقات بلا عائد، وتبديداً للطاقات، ولذلك فإنهما يسببان الإرهاق لميزانية الأسرة والدولة، ويعوقان التنمية ويؤديان الى الضنك، ولاسيما للطبقة الفقيرة التي تشقى بفعل السفهاء من الأغنياء”.
وهذا ما ذكره القرآن العظيم حيث قال سبحانه وتعالى} وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين {فالإنسان مطالب بادخار جزء من ماله الذي يكسبه واستثماره الاستثمار الأمثل الصحيح بما يعود بالخير عليه وعلى مجتمعه ثواباً ومالاً، فالثواب يتمثل في الأجر الذي يحصل عليه في حالة إنشاء مؤسسة يعمل بها أفراد مجتمعه أو قد يساهم في مشروع خيري، وكما أن المال ينمو بالاستثمار وليس بالإسراف أو الإمساك وهو يمثل الجانب المالي للفرد.
قال تعالى} وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ {وهنا نجد الشق الاجتماعي والاقتصادي في الآية الكريمة، فالشق الاجتماعي المتمثل في الزكاة يؤدي إلى التراحم والتعاطف والتعاون بين جميع شرائح المجتمع، أما الشق الاقتصادي فيتمثل في أن من يحصل على زكاة سينفقها في شراء المستلزمات الضرورية من مأكل ومشرب وغيرها من الأمور فتكون هناك حركة شرائية مستمرة تعود بالنفع على التاجر والاقتصادي الوطني. حيث إن الحركة الشرائية على مختلف استخداماتها هي المؤشر الحقيقي لنمو أو كساد الاقتصاد. وهنا نجد إن كل جانب من جوانب الحياة لا يمكن أن ينفصل عن الآخر وهذا سنة من سنن هذه الحياة الواجب معرفته وهناك جوانب خفية لا يعلمه إلا الله وحده.
كما جاءت الشريعة الإسلامية السمحة بالقوانين والنظم التي تسير شؤون حياة الأفراد يراعى فيها حقوقهم وواجباتهم اتجاه مجتمعاتهم والمجتمعات الأخرى، وهذا يؤدي إلى ضمان الاستقرار، كما أن النظام السياسي الذي حددته الشريعة الإسلامية جاء لينظم العلاقات بين الأفراد في هذه الحياة أساسه أن الجميع سواسية أمام القانون حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
كما نجد أن النهوض الاقتصادي والمجتمعي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام السياسي القائم على الشريعة الإسلامية فهو يكفل الحقوق والواجبات، فكلما كان هناك عدل ومساواة نهضت الجوانب الأخرى للحياة واستمرت دون اختلال في الأداء، بحيث لا يطغى جانب من جوانب الحياة على الآخر فيكون سببا في فقد التوازن.
فعلينا أن نفهم الحياة فهماً بعيداً عن التكبر والذي في كثير من الأحيان تصنعه النفس البشرية عندما تمتلك الصحة والمال الوفير فتضع تلك المقومات في الطريق الذي يؤدى إلى فقد معنى الحياة. فالإسلام جاء بنصوص وتشريعات ربانية كفيلة أن تجعل حياة الأفراد حياة متكاملة تحت نظام محكم، كل ما هو مطلوب منا الآن أن نسعى إلى فهم تلك النصوص والتشريعات لنفهم معنى الحياة.