مفهوم الإدارة في الإسلام
سالم بن راشد بن عزيز السيابي
باحث حول الإدارة في الإسلام وتطبيقاتها المعاصرة
إن الخوض في غمار مفاهيم الفكر الإداري في الإسلام, يتطلب الالتزام بالمنهج الاسلامي, واعتباره ركيزة أساسية من ركائز المجتمع الإسلامي ،ورغم ما مرت به الأمة الإسلامية من نكوص، والذي أسلبها ميزة نهجها الإداري المتميز في إدارة فعاليات الدولة، إلا أن ما يعطي الأمل هو العمل على الإحياء،والعودة الى اعتماد قيم ومبادئ الإدارة الإسلامية، ضمن الصحوة الكبرى التي تشهدها الأمة الإسلامية في استلهام تراث الأمة، والاستفادة منها في التطلع للنهوض وبناء المستقبل، ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي العالمي.
إن ما نراه اليوم من اهتمام متزايد بالإدارة الإسلامية، وعلمها وفنونها, وخير مثال هو تزايد المصارف الإسلامية, وتطورها الملحوظ في إدارة أسواق المال. رغم تأثر الكثير من الباحثين العرب والمسلمين ،بالتطورات الإدارية للدول غير الإسلامية، وابتعادهم عن الفكر الإداري الإسلامي،نتيجة للتعايش مع تلك المجتمعات غير الإسلامية، وانتهاج مبادئهم في إطار المناهج الإدارية المعاصرة، التي لا تتفق في أغلبها مع المنهج الإسلامي .
نقول رغم كل هذا، إلا إننا نرى، أن هناك ومضات واضحة،وخطوات مدروسة،على طريق العودة إلى المنهج الإداري الإسلامي،وأفكاره، وممارسة التأثير المتفاعل، والمتبادل بين، الفكر الإداري الإسلامي،والمعاصر, للخروج بنتائج ملموسة، وواقعية، تجسد الثقة بمفهوم الإدارة الإسلامية،وعليه فإن من الواجب السعي الحثيث لتشجيع،ومؤازرة هذه الأفكار من خلال البحث والتطوير، وصولا إلى التطبيق على الواقع ،(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
تستند الإدارة الإسلامية إلى مصادر التشريع الأساسية التي بموجبها تعمل على ظبط الإدارة الإسلامية وبموجبها تعم العدالة الاجتماعية والشعور بالرضى والفرح وزيادة في الإنتاج والاقبال على العمل بروح إيجابية .
يقصد بمصادر التشريع الإسلامي هي الأدلة التي تستند عليها الشريعة الإسلامية وهي الأدلة المتفق عليها بين أغلب الفرق وأخرى مختلف عليها وهي الكتاب والسنة ويليهما الاجماع والقياس .
فالشرع هو ما شرعة الله على لسان نبيه من أحكام, والمصدر الرئيسي والأساسي للشرع الإسلامي هو ما جاء من عند الله تعالى عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو القرآن الكريم والحديث على وجه الإجمال بصورة كلية ،وهذا يستلزم وجود أدلة لاستباط الأحكام الشرعية بطريق الاجتهاد وتسمى هذه الأدله أصول الأحكام وهي التي يبحث فيها أصول الفقه.
ولو نظرنا بتمعن وبحيادية،نرى أن الشريعة الإسلامية، عالجت الكثير من المشاكل الإدارية, بما ينسجم مع أحدث النظريات والمفاهيم الإدارية الحديثة،بما لا يسقط إلتزامها بأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, كونهما يشكلان مصدراً أساسياً للإدارة والتشريع في الإسلام وللفكر الإداري الإسلامي، بشكل عام، إضافة إلى المصادر الفرعية كالإجماع والقياس.
إن سلوك القائد أو الحاكم الإداري, المستند على مبادئ الدين بما يمثله الضمير الإنساني الحي من عدل ومساوات وإخلاص وصدق في القول والفعل إضافة إلى الآلفة والمحبة في المجتمع هي ميزات وخصائص أثرت إيجابيا في تقدم الفكر الإداري الإسلامي،لم تكن المسميات الإدارية الحديثة معروفة كمصطلحات في عصر صدر الإسلام, فالحاكم الذي يعرف بالخليفة, يمارس أعماله الإدارية بما ينسجم مع أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، ويؤدي واجباته بما يملي عليه الواقع من أحداث وإيجاد الحلول الشاملةوبرؤيةثابتة.
إن التشريع الإسلامي، كونه لم يكن وضعيا بل هو منزل بكتاب الله المحكم, فهو يستمد أحكامه من القرآن الكريم، ولذلك فهو قادر على التطبيق بدون تردد في كل زمان ومكان،دون الحاجة إلى أي تغييرات جوهرية عكس التشريعات الوضعية التي تعدل وتغير بين الحين والآخر، حسب الظروف ومتطلبات المرحلة.
ولِمَّا يتصف به الإسلام، من نظرة شمولية للفرد والمجتمع، وعلاقة الحاكم برعيته ووضع الواجبات والحقوق للجميع ولتوفر العدالة المطلقة، فإن الفكر الإداري الإسلامي استطاع معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتجاوزها سواء في الداخل أو في علاقات الدولة الاسلامية مع الكيانات والدول الأخرى، بما ينسجم مع المبادئ الاساسية للإسلام وعدم تجاوزها أو التعارض معها في كل الإجراءات والتشريعات الصادرة من الحاكم أو الخليفة, ضمن المبادئ الإسلامية، هناك حد فاصل وواضح لا يقبل اللبس أو التشكيك بين الحلال والحرام في كل التشريعات والتطبيقات، والحلول الإدارية، لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، رغم مرونة التطبيق، لحالات كثيرة مستندا الى مبدأ الضرورات تبيح المحظورات, ولكن ضمن الحلول الشريعة وبالقدر الذي يسمح له الفكر الاسلامي ومنهجه، لإيجاد الحل المناسب لكل قضية على حدة دون المساس أو تجاوز أو مخالفة الشريعة الاسلامية.
وهنا يمكن القول إن الفِكر الإداري الإسلامي, ما هو إلا مجموعة من الآراء والمبادئ والنظريات التي بلورت مفهوم الإدارة، دراسةً ومُمارسةً عَبْرَ العصور والأزمنة، ويُعَدُّ تشريعاً إسلاميّاً تقيداً،بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من آراء ومبادئ ونظريات.
التشريعَ الإسلامي، هو تشريعٌ مُستقل بذاته يَختلف عن التيارات الفكرية الأخرى, حيثُ إنَّه فكراً إدارياً غير مادياً وبنفس الوقت غير متطرفاً وإنسانياً في سلوكه نحوَ الاتجاه الإنساني في الفكر الإداري المعاصر، بل نجده فِكراً يُحقق التوازُن والإنسجام والتوافُق بين مصالِحِ الفرد والجماعة، فلا فرديةَ مطلقة، ولا جماعية مطلقة، والمصالح فيه متكافئة لا تطغى بعضها على بعض، بل إنها تُكمِّل بعضها البعض .