عقدة الأجنبي
هلال البدوي
كاتب ،وباحث قانوني
وبمصطلح آخر “عقدة الخواجة” نعم الكثير أصبح يتحدث عن هذه العقدة في كل زمان ومكان وما أود أن أستعرضه في هذا المقام تأثير عقدة الخواجة على مجتمعنا وعلى وجه الخصوص تجاه الكوادر الوطنية ، لكن قبل أن استرسل في ذلك يجب أن نعترف جميعاً أن الخواجة ليس الأفضل دائماً ونحن لسنا الأفضل والأذكي دائماً ولكن الفرق أن الكادر الوطني لم يعطى فرصة حقيقية لإثبات الذات ، ولا شك أن هناك عوامل لبناء المجتمع المدني والعلمي منها أننا غالبا لا نحتفي بكوادرنا الوطنية من علماء ورواد ونوابغ فذة إلا بعدما يحصلون على جائزة من الخارج وهذا يرجع لعدة أسباب: أولاً لأن الصحافة العلمية عندنا يعتريها بعض القصور وإن كانت مؤخراً قد بدأت تأخذ خطوات في الطريق الصحيح عن طريق شباب متحمس ووقاد، الصحافة في مجتمعنا لا تتكلم عن منجزات أو أبحاث هؤلاء الكوادر وإن بادرت فإنها تركز على بعض الأخبار العلمية المترجمة من مجلات أجنبية، لذا نعتقد أنه لابد أن يكون في صحافتنا بحثاً دائماً عن أخبار الرواد العمانيين في كافة المجالات بالداخل والخارج حتى على صعيد القراء فإنهم يميلون لقراءة العمود ذو الهوية الأجنبية عوضا عن الكتابات الوطنية الذين هم الأجدر أن نأخذ بتطلعات قرأتها لواقعنا عن الغير ، والسبب الثاني أننا في الداخل قد لا نعلم أهمية الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها الكوادر الوطنية في الداخل فلا نعطيها الأهمية الكافية في مختبراتنا وصحافتنا، والسبب الثالث هو إن عقدة الخواجة تظهر في الشهادات حيث أننا “بلد شهادات”، إذا تكلمت مع شخصين أحدهما حاصل على شهادته من الداخل والآخر من الخارج ففي كلام من ستثق فيه أكثر حتى وإن كانوا على نفس الدرجة العلمية؟ قد نقول كلاماً كثيراً عن الضعف الحالي للبنية التعليمية في الداخل ولكن ما أدراك فقد يكون هذا الشخص الحاصل على درجته من الداخل أرجح عقلاً وأغزر علماً من هذا الحاصل عليها من الخارج خاصة وأن الخارج به جامعات كثيرة ضعيفة وبعضها غير معترف به؟ وقد يكون هذا الذي حصل عليها من الداخل أكفأ إلى جانب قدراته الذاتية وغيرته الوطنية لصالح بلده.
ولا جدال من أن عقدة الخواجة تولدت نتيجة عقود طويلة واجه فيها الكادر الوطني في الداخل تعنت البيروقراطية ونقص الإمكانيات وإهمال المجتمع لهم بالإضافة إلى ترسخ فكرة أهمية الترقية والمركز الوظيفي عن العلم الحقيقي فكم من أبحاث لا قيمة لها تنشر في مؤتمرات محلية فقط من أجل الترقية.
وعلى صعيد آخر في الجامعات القوية في الخارج ومراكز الأبحاث يكون البحث العلمي هو الأساس وستُعطى كل الإمكانيات مع فريقك البحثي كي تنجح، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن هناك منافسة شرسة في الخارج وقد لا تكون نظيفة في بعض الأحيان، إذا فالخواجة ليس دائماً على حق.
ما الحل؟ الحل هو أن نفعل كما هو معهود للعرب في بداية الأمر : نهتم بالبحث العلمي الحقيقي ونزيل عراقيل البيروقراطية من طريقنا ونشجع العلماء والكوادر الوطنية وليس أصحاب المراكز الإدارية وهذا دور الصحافة العلمية ودور لجان علمية نزيهة من علماء أجلاء لتقييم أعمال الكوادر الوطنية .
وعندما نتطلع على الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات المرصودة لغاية نهاية 2017 حيث بلغ عدد القوى العاملة الوافدة من حملة المؤهلات الجامعية (دبلوم عالي – بكالوريوس – ماجستير – دكتوراه ) مائة ألف و724 منهم (88.120) من حملة البكالوريوس و (4.604) من حملة الدبلوم العالي و (5.333) من حملة الماجستير و (2.667) من حملة الدكتوراه إلى جانب أن هناك أعداد من الباحثين عن العمل من حملة تلك المؤهلات العلمية فقط يحتاجون إلى منحهم الثقة والتأهيل والتدريب الأمر الذي سيؤدي إلى ان تحل تدريجيا وتقلل من نسبة تواجد العدد الملحوظ من القوى العاملة الوافدة.
في النهاية أحب أن أقول على قول ماثور “هم رجال ونحن رجال ” فالعلم ذات العلم والعقل ذات العقل بل معزز بغيرة وطنية تكمن فيه قوة جامحة لأجل عمان اي إننا يجب أن ننقي تاريخنا العلمي ففيه الكثير من المبدعين في جميع المجالات والتخصصات ولا نحتاج إلى كوادر مزيفة تضاف إليه نتيجة عقدة الاجنبي.