ذكرى الإسراء والمعراج في زمن كورونا
ذكرى الإسراء والمعراج في زمن كورونا
راشد بن حميد الجهوري
وانحنى الورد الطائفي خجلا حزينا بعد أن أغلق أهل الطائف أبواب قلوبهم دون محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأغمضت تلك البتلات أجفانها – المنسجمة مع ذرات الكون في الاحتفاء بهذا النبي الكريم- عن منظر الحجارة وهي تتهاوى على جسده الشريف، وسالت دموع النبوة خشوعا لله لا يأسا من نصره، وضاقت تلك الشعاب والفجاج، ولم تضق حنايا النفس العظيمة بأعباء النبوة وتكاليفها، ولو كان الثمن أنفاسا من التعب الشديد أو قطرات من الجرح الأليم، وصرح الفؤاد بهمه الأكبر الذي تصغر دونه الهموم: “إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي”، نعم، لا أبالي بهم آخر سوى رضاك يا أرحم الراحمين، فكانت العبارة المؤكدة: “لك العتبى حتى ترضى”، المسير صعب وشاق لكنه يهون أمام رضاك، أي سمو يسكن هذه النفس الكريمة المترفعة عن حظوظ الدنيا؟!
ولقد ضاقت مكة بالدعوة المحمدية قبل أن تضيق الطائف، وظهرت في تلك الظروف الحالكة التي تمر بها الدعوة أقسى أنواع الإيذاء من قبل الطائفة القرشية المتزعمة، ولكن ثقة النبي الكريم بربه كانت أقوى من ذلك كله، وقد نطق يوما (صلى الله عليه وسلم) لريحانة قلبه فاطمة الزهراء (رضي الله عنها)، وهي تزيل التراب عنه – وكان يصلي-، ودموعها تسيل حزنا على سفاهة قريش اتجاه أبيها: ” يا بنية لا تبكي، فإن الله مانع أباك”، كلمات ترتفع إلى قمم الثقة بموعود الله تعالى.
وفي ليلة لم تشبه الليالي، وفي حدث نادر عظيم، وفي معجزة تحمل بشارات النصر، وإشارات المواساة، جاءت هذه المعجزة لتكفكف الدموع الشريفة التي سالت خوفا من غضب الله، وشوقا إلى رضاه، وهكذا هي المنحة تأتي في أقسى ظروف المحنة، وفي الوقت نفسه جاءت لتؤكد الربط الروحي التاريخي بين المسجدين الشريفين، وبين أرض الكعبة وأرض الصخرة.
وبعد: فذكرى الإسراء والمعراج تمر علينا هذه الأيام والعالم يعيش هلع المرض المتفشي (كورونا) ، فما أحوجنا إلى الأخذ بالمعاني العظيمة من دروس حادثة الإسراء والمعراج، والمتمثلة في تمام التوكل على الله، والأخذ بالأسباب، والرجوع إلى الله، والتضرع إليه فهو رافع البلاء وخالق الداء والدواء، وما أحوج المسلمين اليوم أن يعلموا العالم معاني التكافل الإجتماعي، والمواساة، وأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ويبرهنوا على سعة الشريعة واستيعابها لكافة تطورات الزمان والمكان، وأن يعطوا أجمل الدروس في إدارة الأزمات استلهاما من هدي المصطفى.
وختاما: في كل سطر من سيرة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) دروسا لا تنتهي، ولسان الحال يكاد ينطق: يا أمتي لا تهلعي، فإن لكل داء دواء، وبعد العسر يسرا.