عندما عرت الكورونا عن حقيقتنا… !!!
فاطمة الزهراء المكلاوي .م.
“شبح الموت هو عنوان المرحلة والتسلح بالعلم والمعرفة هو الزاد الوحيد” إجابة لم ندركها إلا عندما شرفتنا الكورونا بالزيارة وطرقت حدود بلادنا، في مرحلة كنا فيها نعتقد أننا خير أمة أنزلت، وبهذا لن يصيبنا ما أصاب الكفار من قبلنا، نعم هكذا فكرنا والرد لم يكن متأخرا، وبه عرت الكورونا عن حقيقتنا.
وانطلاقا مما سبق أتساءل والسؤل بصيغة الجمع مشروع، هل يا ترى سيكون لهذا المرض الفتاك أثر على تغيير نمط التفكير لدينا؟ هل سيمكننا هذا الفيروس من مناعة فكرية ضد كل المعلومات التي تغيب دور العلم في حياتنا؟ هل وصلنا لحقيقة أن سبيل التقدم والنجاة هو العلم والمعرفة ولا شئ آخر؟ إلى متى سنبقى سابحين في مستنقع التجهيل وكل يوم سيموت منا واحد بسبب الجهل الذي تتعدد أسبابه؟ إلى متى سنبقى متعاملين مع الأوضاع بتجاهل وبنوع من السخرية وإرجاع ما نحن عليه للأقدار والإرادة الغيبية؟
أثبتت الظروف الصحية المأزومة في هذه الفترة مع تفشي فيروس كورونا المستجد ضرورة معاودة التفكير في طريقة عيشنا للحياة وكيفية التفكير في حاضرنا وفي مستقبلنا والاستفادة من أخطاء ماضينا.
فلم تنفع حياة التفاهة واللامبالاة التي كنا نعيشها، لم تنفع السهرات ولا إطلالات العارضات ولا حملات التشهير التي كنا نقودها ضد بعضنا ولا الاستهزاء ولا قنوات الاستهجان التي كنا نتابعها في شئ، كلها بقيت في وقت الجد منكمشة وترقص وتترقب وتكرس أفكار التنميط لعل الحل يأتي من الغيب.
حقا نحن الآن في مأزق وهذا حقيقة، فلم نعد شيئا لمثل هذه الأيام العصيبة لم نعد لا علما ولا مختبرات ولا مستشفيات ولا أطر طبية كافية لاحتواء الأزمة، لم نعد لا عقل يفهم، ولا أذن تسمع، ولا قدم تبرح مكانها لتفادي الكارثة، كل شئ فينا فقدنا السيطرة عليه وبتنا نعيش عالما من الإندفاعية والتشتت وفرط للحركة لا سابق له، فلم يعد الحل سوى إعلان حالة من الطوارئ والإلزام الإجباري للمنازل مع تفعيل قوة القانون وعقوباته الزجرية والتي نحن دائما ما كنا نرفضها، والآن ها نحن نفرح لتطبيقها للأسف.
إن ما وجدناه بحوزتنا هو الدعاء وللأسف حتى المساجد أغلقت، فلم يبقى أمامنا سوى البقاء في بيوتنا حتى تمر الجائحة بسلام، ورغم ذلك ظهرت تحديات أكثر ضراوة من الجائحة وهو الجهل المغلف بالمعرفة وبالخرافة. إنه لمن الصعب علينا أن نواجه جائحة بجهل متأصل في أذهاننا ولمن الصعب أن نتعلم العبرة بعد هذا الدرس القاسي، لأن ما نحتاجه بالفعل هو بناء قناطر في أدمغتنا لتساعدنا على الإدراك والفهم والتحليل، ولكن يبقى من الصعب علينا فعل ذلك أيضا.
إننا في ورطة كبيرة وما نحتاجه وهذه وجهة نظر هو الاشتغال على ذواتنا، ولكن لماذا هذا بالأساس؟ لأنه ولو وفرت لنا شروط العيش التي نتمناها والتي بسبب انعدامها وصلنا لما نحن عليه لن نكون كما أريد لنا أن نكون، ولا كما أحببنا لأنفسنا أن نصير. لأن الاشتغال على الذات وآليات المعرفة هي التي نحن بالحاجة إليها أو بالأحرى هي التي ستعمل على بناء الإنسان فينا وصناعة الفرق بين الذي كنا عليه والذي ستصبح عليه مستقبلا، وحتى هذه العملية تبقى غامضة لتعدد وجهات النظر في سبل بناء الذات وكذلك منطلقاتها، وبه يبقى البحث عن الأفضل لنا كأفراد وللجماعة التي ننتمي لها أمر يجب أخده بعين الاعتبار وكذلك التخلي عن أفكار التعصب والاعتقاد أننا من صفوة الناس يجب اعتباره من فكر الماضي كخطوة أولى لاكتشاف الذات ومحاولة التغيير فيها.
فالجائحة العالمية عرت عن حقيقة من نكون وهذا أمر لن ننكره، عرت عن واقعنا الذي تجاهلناه كما نتجاهل الآن كل نداءات الحجر من أجل الوقاية من الفيروس ومحاصرة تفشيه، إن ميكانيزم التجاهل هذا ربى في أذهاننا نوعا من اللامبالاة التي صارت اضطرابا يصعب تجاوزه، عرت عن كوننا أناس لا نملك لا معارف وثقافة ولا حدودا دنيا من الأخلاق (باستثناءات قليلة)، عرت عن كوننا اتكاليين دائما ما نطمح لحياة الراحة وما نتائج الراحة سوى ما نحصده الآن من تيه وانتظار لاكتشاف العلاج من شعوب كنا نشمت فيها وندعوا عليها بالهلاك في كل ركعة نقوم بها، وعن كوننا دائما ما نسلك الطريق السهل للوصول إلى أهدافنا، وعن أننا انتهازيون لدرجات متفاوتة وأننا دائما ما نستغل أزماتنا لكي ننهش لحوم بعضنا وما الزيادة في الأسعار وسياسة الاحتكار من طرف البعض لخير دليل.
عرت عن كوننا أناس تغلغل الجهل في حياتهم وأننا كنا السبب في تفشي هذا الجهل وأنه لا أحد غيرنا يتحمل مسؤولية ذلك. عرت عن كوننا أنانيين ونفكر في ذواتنا أكثر ما نفكر في غيرنا وأننا نتقن لعب دور الممثل ذو الوجهين أو بالأحرى لنا وجهين لعملة واحدة وأن النفاق هو نمط عيش نتنفسه، وعلى أننا كائنات بيولوجية لا ثقافية كل ما نعرفه هو تلبية حاجياتها الطبيعية من أكل ونوم وجنس وكل هذه الحاجيات مغلفة بأفكار قديمة أثبتت الآن عدم فعاليتها.
عرت على أننا بحق نشعر بالخوف وكل الخوف من الموت والمجهول لكن هذا الشعور سرعان ما يختفي وفي غالب الأحيان ننسى بسرعة أنه كان في مرحلة من المراحل شئ يهددنا وبسرعة نعود لما كنا عليه، فالذاكرة لدينا مختلة وهذا هو التفسير الوحيد لما نعيشه اليوم.
ألم يحن الوقت لنستفيق من هذا السبات الذي طال والآن ينقلب ضد إرادتنا؟