من قدر الله الى قدر الله
هلال البدوي
“نعم، نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله”، هذه الكلمة التي تَفوَّه بها الخليفة المُلْهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى أصبحت خالدة تَرُدُّ على كثير من الطوائف المتخبِّطة في مسائل القضاء والقدر وتقطع عليهم سيرَهم الباطل، نعم تَفر من المرض إلى العافية، وتَفِر من الموت إلى الحياة، إن أمكنك ذلك مع عِلْمك اليقيني أنَّ هذه الآفات واقعة بك يومًا ما لا محالة، وبقدر الله، عطفاً على قول الله تعالى : ” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ” وأن الاعتمادَ الأجوفَ على الأقدار يُناقِض التوكل وحرياً على الإنسان أن لا يَحمِل همَّ الإجابة، ولكن أن يحمل حمل همَّ الدعاء ويجب أن نعلم أنه ليس هناك تعارض بين قدر الله ومشيئة العبد بل إن للعبد مشيئة واختيارًا بها تتحقق أفعاله فمفهوم القدر للأسف خاطئ عند أغلب الناس فيعتقدون بأن الله كتب عليهم كذا وكذا ولا اختيار لهم في ذلك، وهذا غير صحيح، نعم الله يعلم ما حدث وما سيحدث وما كان وما سيكون وعلى هذا الأصل كتبت أقدار الناس ولكن مع ذلك مازلنا مخيرين فيما نعمل أو نقول فالإنسان هنا لديه الحرية فلا تعارض بين قدر الله وبين حرية العبد أن يفعل ما يشاء وعلى هذا الأساس يكون الحساب يوم القيامة فلو كان الأمر كله جبريًا فلما يحاسبنا الله ولكنه جبريا ًفي أمور منها “رزقه وصحته ومرضه وموته”.
لذا عليك أخي الانسان أن تأخذ بالأسباب لأن الله عز وجل خلق لك قدرة وإرادة يقع بها فعلك ولكن ذلك لا يعني الخروج عن القدر وهذه المسألة هي التي حيرت البشرية وأن الناس تعمل وكل ميسر لما خلق له فالإنسان ليس مُيسرًا فقط. ولا مخيرا فقط وكونه مخيرًا يعني أنه لا سلطان لأحد عليه فكلا الأمرين باطل.
قال ابن القيم في كتابه (الفوائد) – في ذكر عقوبات الذنوب -: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله؛ كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار، وقال أيضًا في الكتاب نفسه: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها إذا أصابك شيء” يعني إذا احتطت ولم تفد، فقد أعذرت، ولا يترك الاحتياط؛ لأن تارك الاحتياط لا يربح إلا الحسرة.
في مساء الأمس مضيت قاصدا المستشفى السلطاني حيث سمعت من صديق أنه توجد حالة حرجة ممن أصابها فيروس كرونا القاتل ، ليس من باب الفضول وإنما للاستفاضة نية الوقاية عن ما تسببه هذا البلاء في مجتمعي والمجتمعات الأخرى لعلني استطيع نقل الصورة بواقعها المرير لنفسي وأهلي ومجتمعي والإنسانية قاطبة في سبيل التوعية من تداعيات هذا الفيروس على أقل تقدير إلى جانب الجهات المعنية حينها أصابني الذهول والفزع من ما آلت إليه تلك الحالة فقد كان رهينة رعشة مستمرة وكأن زلازل بجسم ذلك المصاب بل وأكثر من ذلك يتعدى الوصف والملحوظ أنه قد بانت عليه آثار الإرهاق والتعب نحتسبها من شدة المعانة من الفيروس.
فيا أخي المستدرك لهكذا مصاب ،فهل من مدكر؟.
وفي هذا المقام يجب أن يتساءل الواحد منا لماذا نال – الله تعالى – البشرية جمعا ؟ لماذا لم يختص به فئة عن فئة أو طائفة عن طائفة أو مجتمع عن مجتمع وإليك أن تقيس على ذلك ، ذلك أن الله عز وجل أراد أعظم من كونه مرض ونبحث له عن شفاء أو قوى عظمى تتصدى له أو لجان تتحرى الاحتراز منه ، واليوم الذي يعج فيه العالم بالقلاقل والفتن والحروب والتفكك المجتمعي وانعدام الإنسانية السمحاء وغيرها من الأسباب التي زعزعة توازن الحياة في هذا الكون لغير الغاية التي سخر له ليأتي الله بهذا الابتلاء على البشرية ناقوسا منذر لعلى الناس تستفيق به من غفلتهم والعودة الى روح المواطنة العالمية السامية وينزل السكينة والطمأنينة بهم فهكذا نذهب من قدر الله إلى قدر الله .
alfalk033@gmail.com