الصراع من منظور خاص
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يستحق هذا الإنسان أن ترفع له الـ “قبعة” كما يقال، نظير ما يتحمله من أعباء، وهي ليست بالقدر الهين، أعباء تمس حياته اليومية بصورة مباشرة، وليس أمامه فرصة للهروب منها، وكلما تجاوز عبئا من أعبائه الكثر، فإذا به يواجه عبئا آخر، ربما أشد قساوة من الأول، وتمضي حياته المترعة بعشرات السنين، وهو يتنقل من عبء إلى عبء آخر، ولذلك هو يصاب بالأمراض النفسية، والأمراض العضوية، والأمراض الاجتماعية، والأمراض الدولية، والأمراض البيئية، والأمراض الوراثية، وأمراض العلاقات، ولا ندري ماذا تخبئ لنا الأيام من أمراض نوعية أخرى غير معروفة في عصرنا الحالي، وفي كل هذه الصور على تشابه المسمى واختلاف المعنى؛ يعيش الإنسان صراعا مزدوجا، وفي اتجاهين متوازيين، الأول: تجاه المحيط به والذي يعيش تفاعلاته اليومية مع الآخرين من حوله، شاء ذلك أو أبى، والثاني: تجاه نفسه ومكنوناته الداخلية، وما تحمله له من أعباء وأثقال لا تقل وطأة من الأولى، إن لم تزد على ذلك.
وفي ظل هذين الصراعين على هذا الإنسان أن يتكيف مع محيطه من جانب، ومع نفسه من جانب، وأن يكون سويا أمام الجميع، أن يفكر بهدوء، أن يتعامل مع الآخر بتوازن، أن يقيم علاقات سوية، أن يؤدي جميع الواجبات المنوطة به، أن ينشئ أسرة، أن يحافظ على مكانته وشخصيته في المجتمع، أن يكون علاقات رشيدة مع الجميع، أن لا يعادي من حوله إلا في حالات الضرورة القصوى، على أن يكون رد الفعل وفق الأنظمة المتبعة، فلا المجتمع، ولا القانون يخوله بالاعتداء على الآخر تحت ذريعة رد الإعتداء، وحتى الدفاع عن النفس، يجب أن يكون وفق الأنظمة والقوانين، وبعد كل هذا؛ ترى، هل هناك مخلوقات تحت سماء هذا الكون تعيش نفس هذه الأعباء؟ الواقع يقول: لا.
تتنقل مشاعر الإنسان على امتداد اليوم بين فرح وحزن، بين سعادة وتعاسة، بين رضا وقنوط، بين تعب وراحة، بين كبت وبوح، بين صداقة وعداوة، بين كرم وبخل، كل هذه التناقضات وغيرها نعيشها جميعا، صرحنا بذلك او أخفينا، قلنا ذلك او سكتنا، شعرنا بذلك او لم نشعر، وهذه في مجملها مجموعة صراعات نعيشها مع أنفسنا، ومع الآخرين من حولنا، ويجانب الحقيقة من يقول بغير ذلك، أو من تتجاوزه مشاعره عن المرور بكل هذه الحالات، نعم قد تتفاوت درجة الصراع الذي يعيشه فلان، أو فلان، وهذا أمر طبيعي، لأن مجموعة المحفزات أو المحبطات التي يعشها فلان من الناس؛ غيرها التي يعيشها فلان آخر من الناس، وفي ذلك حكمة بالغة من لدن رب العزة والجلال، فلو تساوى الناس في مستوى هذا الصراع الذي نعنيه، أو نعيشه لتصادم الناس بصورة مباشرة، ولهلكوا، وهذه من الرحمة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في خلقه.
فالصراع الذي تعيشه الكائنات الأخرى، والتي نرى بعضها في محيطنا الإنساني لشيء يذهب بالعقول، ويربك اتزان الأنفس، حيث الحياة للأقوى، ومن يريد أن يقف على شيء من هذا، فما عليه سوى رؤية أحد الصور الحية المنقولة عن الغابات ومستوى الصراع الذي تعيشه حيواناتها هناك، ولكم سيعجب حقا من تللك القوة المهدورة فقط للبقاء على قيد الحياة، حيث الوحشية الصلفة، ولذلك عندما يتمثل سلوك الإنسان أو حتى يقترب من نفس سلوك حيوانات الغابة، يكون حقا أنه تنازل عن إنسانيته واختزل مكسبه الإنساني الكبير، وأوقع نفسه في مطب هذا الصراع، ولكن بصورة أكثر قسوة، نعم علينا، وهذا قدرنا، أن نعيش صراعات مختلفة في حياتنا، ولنعتبر ذلك محفزات للاستمرار للاصلح، وأن لا نتجاووزه إلى صراع لا يكون فيه البقاء إلا للأصلح.