حكاية صورة
هيثم بن حمد الجهوري
أطال التحديق بها غرس مخالب نظراته الملتهبة حتى شرِعَ في تمزيق أغوارها..
بعد طُولِ دهشةٌ ونفاذُ صبر قالت: لمَ؟
بعد تنهيده يزفر فيها عصارة السنين أجاب
فرشاة رسمي تهاوت رُموشها بعد طُول سُهاد
بريق الواني إكتستهُ العتمة من لوعة الإنتظار
ألواحي نفذ ثباتُها حتى غدت قصاصة ورق تتقاذفها رياح الهواجس وهي تحيك نسيج سحرك
توارت خلف حجاب الصمت تدعي الثبات وإن كانت الدهشة تُصدّع جدارن السكون
تسللت نظراتي متسلقة جدران الصمت العاتية.
أي أستبداد يمارسه كبريائك!
وأي جبروت تمارسه عظمتك وهي تجاهد براكين الأفكار والتساؤلات محاولاً إخماد ألسنتها الحارقة
ما إن تهدأ تلك البعثرات وتخار قوى الألسنة الحارقة وتسكتين
حتى تبدأ شمس إشراقك في السطوع وتعيد الضياء للعيون التي
لم تعد تُطيِقُ صبرا
تمردَ كل ما كان حبيساً خلف قُضبان الكبرياء وجبروت الذات فأسردت…
تواريت إجلالاً لبريق عيناك خشية أن يخفتَ لمعانُها
أما السكون فهو هُدنة بين سياط الليالي وجَلد الروح
وأما الصمتُ فلم أجد نفسي بين زحام البشر ؛ فالأفكار متمردة ومتوقدة تُحلق في السماء أبت أن تزاحم من يجثو على الأرضِ دون إزدراء أو إنتقاصٍ للآخرين أو حتى نظرة تعالٍ
لم أرضى بأنصاف الحلول ولم أكتسي باللون الرمادي مطلقاً؛ لذا إِستقيتُ علقم معاركي حتى أرفع رايات إعتزازٍ فوق كل الخيبات وأن أُضمدَ هزائمي بأجمل الكلمات وأطبب جراحها بزخرف الأمل.
وجميع الندوب وبقايا الجراح هي ثمار خذلان السنين وهي الزاد وخيرُ الرفيق.
أقراء سؤالك الذي يثقل على عيناك حمله.
تريد أن تعرف سبب كل هذا ؟
لكي أجِدُ ذاتي!!
لا عليك فإن أروع التماثيل كانت صخوراً لا قيمة لها تجرعت قسوة الحديد ومرارة النحت والنظرات المتعالية وحتى الشامتة
حتى تجردت من كونها مجرد صخرة
وأصبحت عنوان الشعور ومنبع الإحساس وبريد الرسائل الصامت.
ثم أطبقت في صمتٍ وذهول حتى أردفت
لماذا أطلت المكوث وما تلك النظرات المغلفة بقواميس التأمل والتدبر؟
في هدوءٍ…. أجبتُها
ربما بسبب الإمتلاء
سارعتُ في تبديد ضباب الحيرة الحائر على مقلتيها
نعم الإمتلاء
إنه الإمتلاء من فرط الشعور
الإمتلاء الذي نجد فيه السعيد يبكي من فرط الفرح
والحزين يبكي من فرط الوجع
و الخائف يبكي من فرط الهلع
والمُنجز يبكي من فرط الحماس
بسرعة بديهةٍ وعِمقُ فكرٍ
قالت وماذا وجدتَ حتى تطيل المكوث والتدبر؟
أشحت بوجهي والعيون ترسل النظرات إلى السماء
ثم همست
رُبما وجدتُك ترانيم الفكر ومخبئ القلب
رُبما وجدتُك سكن الروح وخدر الأنفاس
رُبما وجدتُك قطر الندى وهمس الإشراق
رُبما وجدتُك سكينة الليل وكبرياء النهار
رُبما وجدتُك من يرتشف الوجود في صحراء الفقد
ورُبما وجدتُك
من يُرتل الحُبَ والتقدير والاحترام في كهوف العزلة
كانت نظراتُها تزدادُ حدة وعمق وحوارها يكبل حروفي
ثم قالت من أكون
قلت
إنك صوتٌ يحمل بين راحتي بحته لحنُ الحياة
صوتك هو سلامي المقدس وكلماتك تتراقص إنسجاماً وتناغماً وحديثك هو عزلتي الأجمل
وصمتُك يبدد كل سكون بداخلي ويغتال كل إدعاءات الثبات
وضحكة هي الأَمان وعنوان السكينة
أرى فيك حروفي الهائمة والأمنيات المتناثرة
خيم الصمت بيننا ووحدها العيون من ترسل الكلمات ثم قالت
لا داعي أن تطيل المكوث ولا التدبر ببساطة إنها ليست صورة!!
بل هي
مزيج من ابتهالات فكرٍ وسخط روح
تمتمتُ… نعم إنها ليست صورة
فأنتِ أصعب من أن يحتويك برواز .
تهاوت من أمام ناظري تحاول طمس الملامح وفي طريقها إلى التلاشي
شيعتُها بيدٍ تُلوّح بإمتعاضٍ وقلبٍ يهمسُ
وجودك مُطمئن حتى لو كان بيني وبينك مُدن وناسٌ وصمت
فإن الروح للروح تدري من يناغمها.