عمان التي نريد
صالح بن خليفة القرني
يثلج صدرك في الواقع حينما تنخرط في عمل تطوعي وترى الشباب زرافات ووحدانا يتقاطرون على المشاركة ولسان حالهم سنبذل مهجنا لعمان حتى آخر قطرة دم، فتجد أغلبهم يستقبلك بوجه وضاح وثغر باسم وهذا لعمري بفعل العطاء الذي يعمل في النفس السحر فيشعر معها المتطوع بسرور عظيم وغبطة ما بعدها غبطة، بيد أن مما يحز في النفس أن يندَسَّ بين المتطوعين من الانتهازيين الكثير ممن يرفعون شعار المصلحة الشخصية و “ماذا سأستفيد؟ “.
هؤلاء ومن على شاكلتهم ساهموا في نفور الناس من العمل التطوعي بسبب ممارساتهم التي ترتدي رداء التطوع وتفتقر إلى روحه، تلك الروح المتمثلة في العطاء بلا حدود وعدم انتظار أي أجر ولا مصلحة ولا حتى كلمة شكر فمن ينتظر شكراً على التطوع فما زال التطوع فيه قميصاً لم ينفذ عنده للروح وينبغي لمن أراد هذا العمل أولاً أن يتحلى بالمواطنة الصادقة فيضع مصلحة بلاده أولاً ويتحلى كذلك بصفة الشعور بالآخر وبرغبة حقيقية على العمل بدون أي مقابل وأن يتحمل في سبييل ذلك من تبعات فانتقاد حيناً وسخرية حيناً أخرى وأقلها التهكم الذي نادراً ما سلم منه أحد.
هناك من ينبرون لوأد الأفكار في مهدها فمجرد أن يأتي أحدهم بفكرة يسارعون إلى تكسير مجاديفه ونتف أجنحته ولا تفسير لذلك إلا الداء الذي لا يثاب المبتلى به، تجد أحدهم يتفحفح بين رفاقه عن ولايته وما ينبغي أن يكون فيها وأن الشباب لا يرجى فيهم خير ولا فضل وحينما يعرض عليه أحدهم فكرة أو تبرّع يعرض صفحاً وكأن الأمر لا يعنيه، ولو سئل سؤالاً بسيطا ماذا قدمت أنت؟ لعجز عن الرد.
في حدود ما أعرف أجد وللأسف الشديد في أغلب المحافظات ممن أثروا وتنعموا من خيرات هذا البلد وكنزوا شحومهم وجلودهم من نعيمه يعرضون عن الخدمة الاحتماعية فحينما تدعو أحدهم لدعم أسرة معسرة أو تبرع ما قال: ” أنا ما الشؤون” وكأن التكاتف والتلاحم ليست صفات إسلامية أصيلة، أو يجيب بكل وقاحة ” وأنا مالي؟ وأنا مو أستفيد؟
قد أتهم بالسلبية ولكن هذه مشاهداتي وكما أسلفت بالقول: “في حدود ما أعرف” مع التأكيد أن هنالك الكثير من أهل الخير الذي لا يرغبون في شهرة ولا تعلم شمائلهم بما أنفقت أيمانهم وهؤلاء بحق يستحقون بكل جدارة أن تتقدم الألقاب قبل أسمائهم ولدينا في عمان لله الحمد بعضاً منهم ولكننا في الواقع نريد المزيد نريد من يضع عمان ورفعتها ومصلحة أبنائها نصب عينيه.
نرغب في مؤسسات أهلية غير ربحية تدعم مختلف شرائح المجتمع، نريد شباباً مولعاً بالتطوع جسداً وروح، نريد من أثرى على حساب عمان أن يرد شيئاً من جميلها عليه، نريد مجتمعاً متماسكاً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، نريد أخاً يتحسس أمه وأبيه وأخته وأخيه وجاراً يسأل عن جاره، نريد غنياً لا ينام ليلته وجاره جائع هذه ليست مطالب مستعصية فهي مبادئ أصيلة في ديننا الحنيف وثوابت راسخة في مجتمعنا العماني العريق ولكن بدأت تتقهقر وأشد ما أخشاه أن تضمحل فهلّا بذلنا الوسع واستفرغنا الجهد لتصبح عمان التي نريد.