تزاحم البنى الأساسية
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تمثل البنى الأساسية مشاريع تنموية، تعيش حالة حراك دائم لا يتوقف، وتطور مستمر لا يقف عند حد، ولذلك هي تخلق تحديات مستمرة لصاحب القرار، وتضعه على مفارق طرق كثيرة، تربك؛ في بعض الأحيان، الحسابات، والتوقعات، والتقديرات، وغايتها من ذلك كله هو خدمة هذا الإنسان الذي يطمح إلى المزيد، ولذلك تأتي المعالجات ضعيفة في بعض الأحيان، لا تتوافق ومستوى الطموح الذي يسعى إلى تحقيقه طالب الخدمة، خاصة عندما لا تساندها خطط واضحة، وأجندات عمل مستمرة، ومن هنا تأتي أهمية التخطيط الاستراتيجي ببعديه؛ طويل المدى، وقريب المدى، حتى لا يحدث أي خلل من شأنه أن يعرقل مشاريع التنمية التي يتعقد تنفيذها مع كل فترة زمنية مكتسبة في عمر أية تنمية.
من هنا ينظر إلى أن الجهد الحكومي، مهما ارتفع سقفه، في تعزيز مختلف البنى الأساسية يحتاج إلى كثير من الدعم؛ وهو الدعم الذي لا يقف عند حد دور المؤسسات المعنية بعمليات التنمية المختلفة، حيث الأركان الأساسية لخدمة التنمية، وإنما يضم بالإضافة إلى ذلك جهد الإنسان الـ “مواطن” الذي يمثل أهم هذه الأركان؛ فهو الموكول إليه الكثير من المهام والمسؤوليات تجاه الوطن الذي يعيش فيه، ويأكل من خيراته، ويستظل بسمواته، والأمر هنا ليس خيارات خُلُقية، أو إنسانية، وإنما هنا واجب يحتم على الجميع سرعة المساهمة والمبادرة، كل بقدر طاقته، وامكانياته، وهذه الإمكانيات ليست هي المادية فقط، مع أهميتها، ولكن هو ذلك التلبس والانصهار في كل ما ينزع إليه الوطن نحو الارتقاء والتقدم، وارتفاع سقف الطموحات، فالأوطان لا تنفصل في طموحاتها عن مواطنيها؛ سواء بسواء.
لذلك يأتي إنشاء المجالس التشريعية، ومجالس البلدية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمبادرات الفردية أو الجماعية، لتشكل منظومة متكاملة لتعريز العمل لأجل الوطن فهي القادرة على التعبير عما يطمح إليه المواطن من الترقي والتطور، وهي المعبرة عن الشراكة الاجتماعية المباشرة مع المؤسسة الرسمية، فالمؤسسة الرسمية مهما بذلت من جهد، فإن هذا الجهد يحتاج إلى كثير من المساندة من قبل المواطن، وهذه المساندة هي التي تعبر عنها هذه المجموعات كلها عبر اشتغالها الأمين على أرض الواقع من خلال توظيف اختصاصاتها، ومهامها، ومسؤولياتها.
والعملية التنموية؛ عملية على قدر كبير من التعقيد، وهذا التعقيد يفرضه الواقع المعاش، وما يفرضه بين كل فترة وأخرى من تحديات لا تتوقف أبدا، فالحالة السكانية – على سبيل المثال – حالة متحركة؛ تزداد نموا عدديا، وتنوعا ديموغرافيا، وبما يفرزه ذلك من حراك اجتماعي لا يتوقف بين القرية والمدينة، وهذا كله يزيد من ثقل أعبائه على مختلف البنى الأساسية، خاصة في المدن الكبيرة الحاضنة لهذا الحراك بصورة مستمرة، حيث تتضاعف الحاجة، فتجبر صاحب القرار إلى الارتقاء بالخدمات المختلفة، ومعالجة ما تقادم منها، وحقنها بأدوات التطور، لكي تؤدي دورها الكامل في تقديم الخدمات، ومع هذه الصورة الديناميكية المستمرة تبرز على السطح مجموعة التحديات المصاحبة لذلك كله.
ولذلك تأخذ بعض التجارب التنموية في بعض البلدان بالتوزيع العادل في برامج التنمية، ومن ذلك نقل مؤسسات التنمية الى المحافظات؛ من خلال فروعها التي تقوم بتقديم الدور الكامل لخدماتها، وعدم تركيزها في العاصمة، وعندنا في السلطنة تظهر هذه المسألة جلية واضحة فكل المؤسسات الخدمية تتوزع اليوم في كل المحافظات وعلى مستوى مديريات عموم، وهذا بدوره سوف يقلل من الضغط الحاصل على المؤسسة الأم الموجودة في محافظة مسقط، وهذا أمر ليس يسيرا أيضا، ولكنه خيار مقبول في ظل التحديات التي تواجها برامج التنمية المختلفة.