تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
قصص وروايات

خريف فبراير

منال السيد حسن

 

يقول نزار قباني في رائعته “بلقيس” .. (و أنا الذي اخترع الرسائل .. لست أدري كيف أبتدئ الرسالة).
إنها المرة الأولى منذ فبراير عام ٢٠١٤ التي أحاول فيها جاهدة أن أعبر عما بداخلي من وجع يفتك بي دون أن أتسبب بأي شيء يؤلمك و لا أعرف كيف.
إنها المرة الأولى التي يتفرش الحنين فيها خلاياي كلها و لا أستطيع أن أحيد عنه.

تعبرني الأشياء كل يوم بثقلٍ لا يهدأ أو ينام .. أشرب قهوتي -و يا اختلاف قهوة فبرابر من كل عام- رتابة الوقت و ألم الشعور.

يتنفس النهار ضياؤه كل يوم بعد عتمة ليله القاتم و أنا -وحيدة- أجلس في عتمة ليلي دون ضياؤك  لأتنفسه .. كي يأذن لي بطلوع نهاري.
إنه فبراير؛ شهر البهجة والاكتئاب .. شهر الأمل و الألم .. شهر يحمل بين أوقاته تضاد المعنى و ترادفه .. شهر ذبلت زهوره بعدما حملت لغة الإبتسام و تحية الشوق و قبلة الفرح .. شهر ذكرياته كلها هي الحياة .. و هي الموت.
الشهر الذي رد إليَ روحي و زاد ظمأي به.

لم أستطع النجاة حتى الآن .. في فبراير من كل عام وجع ليس كمثله .. لا منه أطلق رصاصة الرحمة ليريحني و لا منه ملّ حزني واكتئابي و رحل.
سيدي القلب متعب و لا يروم الرحيل .. والشوق أحرق مضجعي ..
كل اشتهاءاتي هي الغد في وجودك .. وجودك و فقط.
سيدي الرحمة التي لطالما كنت أهلها .. أين صفصافتك التي كنت آوي إليها حين يتمكن مني الألم؟ .. تعبت الترحال في أرض غيرك .. كل الأراضي قفار بوار .. إلا أرضك.
تعبت سؤلي لكل بابِ حنان عداك .. تعبت وحدتي و ضجرها الوحدة.
غيابك ينفث سمه في لياليَّ العابسات العابثات.
حرائق الشوق تزداد داخلي .. و الألم يخيط أنسجته في صدري .. شعور كجذوة من لهب.

تعالى؛ لأنظر في عينيك فتنطفئ النار في داخلي .. حر الوجد فيّا يغالب في عقلي الجنون .. أموت.

براءة الدمع في وسادتي يفتك بها كل يوم فصارت تهاب اقتراب خدي يلامسها .. عندما تراني قادمة إلى سريري تنظر إلي و تقول لي عودي من حيث جئتِ .. تُكرهني على السهر كي لا أوجعها .. ملت شِكوتي و ألمي.

هجرتني نوارسي التي أحبها .. و الصبح لم يعد صبحا بعيني.

ينوح الحمام في صدري و يمامات حبك الصغيرة تعاني يُتم وجودك منذ زمن .. حتى شجيرة الفل التي زرعتها تحت جلدي توقف نموها في أوردتي.

سيدي .. أنا لا أنام.

لم أعد أستطيع أن أقاوم وحدي .. حتى شبابيكي تسائلني كل يوم إلى متى .. إلى متى؟

هل هانت عليك ذكريات عام و نصف هما كل حياتي؟ .. هما الأمل الذي أعيش عليه منذ ٧ أعوام و نصف العام .. هما الألم الذي يذكرني في كل ليل بقهر الغياب.

شقوق بين أضلعي أصابتهم لعنة الشوق الفتاك -و أنت تعلم كيف يصير الشوق عندي لعنة-.

سيدي؛ فرَّ النوم من عيني .. أبتلع ريقي باستحالة حين أذكر لمسة منك -كيف تربت على كتفي؟-  .. حين تسري تلك القشعريرة التي أتكهرب بها فيصيب الشلل عظامي لبضع دقائق  .. أريد أن أبكي فتصيبني الرعشة مرة أخرى و لا أدري الخلاص منها كيف.

سيدي؛ و الله أتألم .. يتعبني تعبي .. الغيم اشتد بروحي والريح تعصف بي .. شواطئي تعبت جلوسي .. و الموج الهادر تعب الخروج دون استجابة لطلبه ..
تعبت من وحدتي .. و الله وحيدة .. وحيدة حتى و أنا بين أهل الأرض جميعا و لكنك لست هنا .. و الجمع يتناوب على وأد أحلامي التي زرعتها على ضفافك.
لا أحد يقاسمني حزني .. الجميع يرى بهجتي فقط .. بهجتي التي أمارسها كل يوم و أنا أكتوي بنار عذابها .. لو كان لغيابك ذراعان؟! .. لو كان .. لأحببتك في الغياب ألف مرة .. خفق الفجر في داخلي مضطربا يسائلني متى؟! متى يا قمري يُصاغ حسنك في سمائي؟ متى النجوم العذار يحلو لها الندا؟!  متى الحر يسير في الأرض ظلا؟!
متى البنفسج يسكن الضوء و يُرخي رائحته مع الريح؟! متى تجيء لتبعث المطر فيني و يزهر خريف فبراير؟! .. يزهر للأبد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights