عذابات الحنين
منال السيد حسن
سيدي؛ اليوم القمر غائم و حزين، الشجيرات التي تسايرني كل يومٍ خلوتي تعاند صفير الريح العاتية و لا تحرك ساكنا .. الطريق التي تراقصني طربا كل يوم تتلوى من أنين توجعي؛ خاصمتْني فخاصمَتني كلُ الأشياء حولي.
يقول الإمام الشافعي ” يرسلنا الله بعضنا لبعض رحمات” و كنت أنت و لا تزال – مجازا- الرحمة الوحيدة التي وسعت أهل الأرض جميعا -بالنسبة لي على الأقل- .. كنت أنت و لا تزال نور الله في قلبي .. كنت أنت و لا تزال ما أبصره في عيون من حولي .. كنت أنت و لا تزال نبضة القلب الذي يدق لأبسط الأشياء تفرحه .. كنت أنت و لا تزال فرحتي الأولى و شغفي الأول .. بهجتي الأولى و -تشريني- الأول .. دمعتي الأولى و ملاذي الأول .. قيامي الأخير و محرابي الأخضر.
أسير ولا أبالي بمن حولي سواك .. في كل الطرق أراك .. حين أغضب أستشعر يدك تربت على كتفي فأبتسم.
السماء اليوم كانت غريبة؛ تفسر كل علامات غرائب رحابة صدرك الدائمة .. فلماذا تصيرها الآن -عنيدة- لا تبالي؟! و كيف لا تبالي بضيقِ حالي في خصامك لي و أنت من تبالي؟!!
سيدي .. سلامٌ من قلبٍ يبتغيك سلاما.
أستحلفك بودي المتين .. و عهدي الأوفى إليك..
أستحلفك بابتسامتي التي تحبها و نظرتي التي لا يفهمها غيرك .. بهما وإنما هما الطريقان لقلبك بين الرضا و الرضا و السبيل لروحك بين العطاء و العطاء.
أنت تعلم توجعي .. و شفافية حزني .. و طهر دموعيَ الغضبى .. تعلم كل لحظات الحزن و الألم التي طمرتها خشية إحزانك .. تعلم رضاي حين -أمثل لك ربع الأشياء حولك- في حين أنك تمثل كل أشيائي ..
أستشهد بروحي التي تحبك دون أن تطلب تبريرا للغياب .. و الله هجرتني ضحكاتي التي تشرق في روحي فتبهجك. بحق غصن الزيتون في عينيك أحبه و أنت تعلم .. والنهر الواسع في بؤبؤيك حين يدخل فيه نداء البحر البعيد .. بحق لهفتي الكبري .. بحق مأساتي في غيابك؛ -لشَّد ما أصابني في غيابك- أستحلفك لتجيء .. ليشرق الأخضر فيني ..أستحلفك بكل لحظة أظهرت فيها قوتي في أشد أوقات حياتي ضعفا و احتياجا إليك .. أستحلفك بكل وهن عشش في روحي .. بكل تفاصيل الألم الخفية في صدري .. ببراءتي التي تحبها .. و بحكاياتي المملة.. و بكل الآمال التي تتعلق بها روحي و تتشبث علِّي لا أفقد أمل لقياك .. أستحلفك لتجي .. إني أشتهيك.
أشتهيك و أشهد أنني لا أحب سواك في سواك …
أتشعر معنى تنهداتي حين تدرك التنهدات؟!
لتجيء .. لتنزع مني توهمات أصابت فكري و ضجيج عالق بمخيلتي .. و رياح تعصف بصدري تعال لتبثني رؤاك النضرة..
لتجيء .. ليبتهج الياسمين .. لينبت المطر في موضع اللهب في خلاياي.
لتجيء لأفرغ في صدرك عصير الثمر الذي نضج داخلي إثر الغياب ..
لتجيء ليعود صوابي إلى الصواب .. و لتعود إلي ضحكاتي التي هربت قطعا في السماء .. تعالى لأختبئ فيك من برد الحنين و لأتعرى عن خوفي الشفيف .. و أريك جمال وجودك الذي عز و امتنع على أحد يراه .. بمعانيه و فلسفته و جنونه.
لتجيء لتترجم السر الإلهي في الجمال و تبرهن عدم خضوعي لسواك .. و تتلمس طبيعة الرجاء و مده .. و تخلف لي فراشات تجوب أروقة القلب .. لتجيء لتجدد إنسانيتي في الرضا والصبر.