النساء شقائق الرجال
عبد الرزاق أحمد الحسيني
لا تزال النظرة العامة إلى المرأة باعتبارها (ناقصة عقل ودين), وأنها أقل شأناً من الرجل ,ويجب عليها الطاعة المطلقة لسيدها الرجل ,تلك النظرة المتخلفة للمرأة والبعيدة عن روح الشريعة الإسلامية السمحة,جعلت المجتمع يعيش شرخاً كبيراً لبعده عن الحقيقة والتمسك باللفظ الحرفي للنص ,لذا كان من الواجب توضيح بعض المفاهيم التي فهمت على غير حقيقتها,سعياً لإنصاف المرأة .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:) النساء شقائق الرجال),وكذلك أقرَّ القرآن الكريم بوحدة التكليف والعقاب بين الجنسين كما في قوله تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فكان التكليف متساوياً للطرفين وهو العمل الصالح, ومن بعده يأتي الجزاء العادل للطرفين أيضاً.
وكذلك قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض), فالخطاب الإلهي بتوجهه للرجل والمرأة على السواء يقرّ بعدالة الله سبحانه وتعالى,لأن من شروط العدالة: المساواة في الثواب والعقاب, فهل من العدل أن يعطي الله للرجال أجراً أكبر من النساء لمجرد كونهم رجالاً مع ذات التكليف ؟
هذا ما نشاهده في أيامنا عندما يقوم رب العمل بإعطاء المرأة العاملة أجراً أقل من أجر الرجل العامل, مع أن العمل والمجهود واحد, فأين العدالة؟
وتمثل ذلك بقوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا), تخيلوا لو أن الله قال: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فللذكور قصور كبيرة وللإناث بيوت صغيرة في الجنة, سيُقال أين عدالة الله؟ يجيبنا سبحانه في نفس الآية (ولا يظلمون نقيرا).
فوحدة التكليف تقتضي وحدة الثواب والعقاب, وبالتالي المساواة.
أما عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قليلات عقل, قليلات دين),وهو القول الذي يستند إليه الجُهّال من الرجال ليستقووا على المرأة ويظلموها وينتقصوا من شأنها فله أصل وتكملة, والواجب الرجوع إلى الحديث بكامله لا الاستناد إلى عبارة معينة وترك النص الكامل ,كالذي يقول :لا تقربوا الصلاة, دون أن يكمل الآية: وأنتم سكارى, وكذلك الذي يقرأ آية التعدد: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع), ولا يلتفت لقوله تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقوله (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم).
بمعنى أن المحتج يأخذ ما يناسب هواه ويترك ما لا يناسبه, ألم يسمع قول الله تعالى (أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض), فالشريعة واحدة والرب واحد والدين كامل, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكنّ, قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل, قلن: بلى ,قال: فذلك من نقصان عقلها, أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم ؟ قلن بلى, قال: فذلك من نقصان دينها) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما, فكان رسول الله يفسر حديثه بأن نقص الدين عائد لطبيعة المرأة الفيزيولوجية التي خصها الله بها دون الرجل كالحمل والولادة وهذا الإختصاص فيه من الشقاء والإرهاق والتعب ما لايحتمله كثير من الرجال, وهو مانع شرعي من موانع الصلاة والصيام كالجنابة والسفر بالنسبة للرجل, فخصها الله بذلك وهو الحكيم العليم وهو أحسن كل شيء خلقه ,أما نقص العقل فليس مردّه إلى علة في المرأة لانتقاص قدرها, بل لأن طبيعة المرأة العاطفية (هذه الوظيفة التي يفتقدها الرجل غالباً) وانشغالها بتربية أطفالها وحملها عبء الأعمال المنزلية إضافة للوظائف الفيزيولوجية التي ذكرناها آنفاً, تجعل من ذاكرتها أقل نشاطاً, و تنسى بعض الأحداث التي قد تمر معها, وهذه الشهادة نصّ عليها القرآن الكريم في آية الدَيْن إلى أجل (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى),وبالمقابل توجد حالات تكون فيها شهادة المرأة كاملةً دون انتقاص بل وتكون لها الأولوية كالشهادة على الولادة أو الشهادة لإثبات عذرية الفتاة البكر .
إن هذا النص الذي تمسك بحرفيته بعض الجهال دون فهم روحه,جعل من المرأة في نظر البعض كائناً ناقصاً, وحاشى لله, وهذا لا يليق بالخالق الذي قال (الله أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) يبين الله تعالى وحدة أصل خلق الإنسان ذكراً وأنثى وهو الطين, فلم يخلق الرجل من طينة مختلفة عن طينة المرأة ليتميز عنها. وكذلك قال تعالى (ولقد كرمنا بني أدم), فلم يقل الله ولقد كرمنا الرجل فقط .
وقد ورد في سير الصحابة الكثير من القصص التي تدل على المساواة بين الجنسين, بل وفي بعض القصص نرى تفوق المرأة على الرجل في كثير من الميادين ,فمعظم فقه النساء نقلته للأمة السيدة عائشة أم المؤمنين نظراً لكونها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكونها ملازمةً له .
وقد ورد في الأثر أن رجلاً خاصم زوجته لأنها تصرخ في وجهه, فقال لها والله لأشكونك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب, فمضى الرجل قاصداً بيت الخليفة وما إن وصل إلى الباب حتى سمع زوجة عمر بن الخطاب وهي تصرخ على الخليفة, وإذ بعمر يخرج من البيت ليصادف الرجل على بابه فسأله : هل لك حاجة فنقضيها لك ؟ فقال له : حاجتي ليست عندك, فما أشكو منه أنت تشكو منه, فقال له عمر: زوجة حملت وربت ولدي وغسلت ثوبي أفلا أصبر عليها إن صرخت ؟
وهو إقرار من الخليفة بفضل الزوجة ووجوب الصبر عليها لما تحمله من أعباء .
لذلك دعانا الله لإعمال العقل وفهم روح الشريعة وليس الإستناد إلى حرفية النص كما يهوى بعض العوام, فالمرأة صنو الرجل كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي حجة الوداع قال :(استوصوا بالنساء خيراً ).
أمام كل هذه النصوص من كتاب الله وسنة نبيه, أضحى واجباً على كل رجل عاقل مؤمن بالله أن يتلطف بالمرأة ويعاملها برفق ويعطيها حقها من الإحترام والتقدير ,وترك العادات والموروثات الجاهلية البالية التي تنتقص من المرأة, وهي الأم والأخت والزوجة والإبنة .