مناقص .. لكن من “الباطن”
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تسعى برامج التنمية المختلفة التي تعززها الخطط التنموية في كل عام إلى توفير الخدمات ما صغر منها وما كبر، كل ذلك للوصول بهذه الخدمات كلها إلى مستحقيها عبر جغرافية الوطن الحبيب، وتبذل الحكومة بكل مؤسساتها المعنية الجهود الخيرة لأجل تحقيق ذلك، وتعزيزه فيما بعد بمشروعات مساندة وداعمة، لأن البنى الأساسية لا تقبل الوقوف عند مستوى معين، فهي بقدر التنوع الذي تكون عليه تظل نامية، ومتطورة لاعتبارات كثيرة، ولن تقف عند مستوى معين الأداء، وهذا ما يجعل واضع برامج التنمية في تحد مستمر؛ فكلما أنجز قدرا معينا من هذه المشروعات، فإذا بالأخرى على باب التخطيط تنتظر التنفيذ، وهذا هو ديدن التنمية، وإلا لما سميت تنمية.
الإشكالية الكبرى في برامج التنمية أنها تنفذ عبر مناقصات – ولا يجب أن يكون لها خيار آخر – وهذه المناقصات لها مؤسسة معنية هي مجلس المناقصات، ولماذا هي واقعة في إشكالية إذن؟ لأن مجلس المناقصات أمامه الذي أرست عليه المناقصة فقط، ويمكن هنا تسميته؛ عرفا؛ المناقص الأول، لأن توالد المناقصين، إن تجوز التسمية، وتسلسلهم بعد ذلك ليست من مسؤولية مجلس المناقصات، وهنا الإشكالية هي التي واقعة فيها برامج التنمية، على الرغم من أن “المناقص من الباطن” معروف لدى هذه الجهة ربما تكون بصورة غير مباشرة، وأن جل المشروعات التي تتم صغيرها وكبيرها نادرا أن تخلو من “المناقص من الباطن” ربما هناك مسوغات فنية، ولا أظن قانونية، هي التي يجعل الجهة المسؤولة تغض الطرف عن هذا النوع من التناقص في مختلف مشروعات التنمية، الإشكالية هنا أكثر وأكثر، ليس فقط في وجود “المناقص من الباطن” ولكن في ضعف تنفيذ كثير من المشروعات التي تنفذ، وهو ضعف يؤدي إلى تهالك المشروع ربما قبل عمره الافتراضي.
لأن تسلسل “المناقص من الباطن” معناه اقتسام قيمة المشروع منذ المناقص الأول، وحتى المناقص الأخير، وقد يكون رقمه الـ (3) أو (4)، وفي ذلك أكثر من دلالة، يأتي في مقدمتها:
أولا: أن تكلفة المشروع الحقيقية هي التكلفة التي ينفذ بها المناقص الأخير، مع الربح الذي يتوقعه، وأن كل الذي أتوا قبله، هم متربحين ومنتفعين فقط من المبلغ المبالغ في تقدير قيمة المناقصة لأي مشروع، وبالتالي فهم لم يبذلوا أي جهد يخص المشروع الحقيقي، وإنما جهد إداري فقط يتمحور حول كم سيكون النصيب من هذه المناقصة أو تلك.
ثانيا: من هنا تبدأ الإشكالات الفنية للمشروع، عندما لا يمر على تنفيذه، بالكاد، السنة الأولى؛ حيث تبدأ مجموعة العيوب الفنية للمشروع، وتبدأ مرحلة جديدة من المناوشات، وغالبا ما تنتهي إلى تسويات ربما تكون على حساب المشروع مع مرور الزمن، ومن الملاحظ أيضا أن حتى المشروعات غير الرسمية واقعة في ذات الإشكالية.
ثالثا: الضعف البنيوي لمجموعات المشروعات التي تقع في مثل هذه الإشكالية، واستمرار هذا النوع من أسلوب التناقص مع كل هذه الفترة التي انطلقت شرارتها، وعدم معالجة الإخفاقات الناتجة عنها، من حيث منعها مطلقا، أو اتاحتها في ظروف ضيقة جدا، إن كان ولا بد، في مثل حالة تشجيع بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة لأخذ أحد جوانب المناقصة، وليس المناقصة كلها.
هنا سؤال؛ خجول؛ وهو هل في تجارب الآخرين التنموية يوجد هذا النوع من التناقص، أم أنه صناعة عمانية فقط، فإن كانت الإجابة بنعم؛ فجيد لو يستفاد من مجموعة النظم والمحددات التي تضبط هذه العملية، وان كانت غير ذلك، فنسأل الله العفو العافية “لأن المصيبة أعظم”.