إصْنع السَّعادة لِـغيرك..
فؤاد البوسعيدي
(إهداء..)
أخذاً بمبدأ (إذكروا محاسِن موتاكم)، أكتب هذه الحروف وهذه السطور إهداءاً لمن صنعت السّعادة لي ولغيري، إهداء لمن طلَبَت منّي مُمازِحةً وهي مُبتسمة أن أكتب عنها قصيداً وشِعْراً فلم يتمخّض من حروفي سوى هذه السّطور المتواضعة التي قد لا تكون وافية في إحقاق الحقّ لها كصانعة للسّعادة.
..
أخشى أن أكتب وأتحدّث بكلماتٍ عن السّعادة فلا يزال في هذا القلب أحزانٍ جمّة لم تنتهي بعد، كما أنّ هنالك العديد من البُقع المعتمة التي لم تجفّ ولم تهاجر بعد شراييني، ولكن مكروهاً سأحاول ولو قليلاً أن أجعل ما يبدو لي حزينا جانباً منه سعيداً، سأحاول رسم البسمة الغائبة من جديد، سأحاول أن أتقمّص وأمثّل أدوار صنّاع السّعادة التي تعلمتها وخَبِرْتَها من أولئك العظماء الذين عاشرتهم قبل مغادرتهم هذه الدنيا؛ فربّما ولعلّي قد أجد تلك الوصفة السحرية التي يطلبها ويسعى إليها الجميع، فمن منّا لا يودّ أن يكون سعيداً؟ أهنالك من كائنٍ لا يحبّ ولا يودّ أن يعيش حياةً كلّها سعادة لا منتهية ولا يتخلّلها أبداً الحزن وغيرها الكثير من تلك المُنغّصات التي تقلب الحياة؟ من منّا لا يبحث عن خفايا تلك الأبواب والنّوافذ السعيدة التّي ما إن نجدها إلّا ونشعر بوصولنا إلى حدود السعادة والكمال الدنيوي؟، نعم نُجاهد كثيراً إلى أن نتمكن من الوصول إلى..(إصنع السّعادة لغيرك..).
..
السّعادة وكلّ ما فيها من معانٍ جمّة وجماليات ومفاهيم مختلفة تختلف بإختلاف الطرق التي يتأتّى منها تحقيق وعيش تلك الأحاسيس الرائعة والبديعة التي ينبغي علينا أن نجعلها تليق بكلّ أوصافها والتي نكافح من أجل نيلها، بديهياً يتحتّم علينا أن نبذل الكثير من الجهد لتحقيق ذلك المطلب وفهم تلك المعادلة الحياتية الصعبة وذلك لكي نصل إليها وكذلك من أجل جعلها تعمّ الجميع دون إستفرادٍ من هذا أو ذاك، بعض المطالب كالسّعادة التي نريدها لا تتحقّق بالتّمني بل واجبنا هو أن نعمل ونسعى بجهد في سبيل تحقيق صدق ذلك الإحساس والذي عند تمكّننا منه سيزداد جمالاً عندما يكون للجميع نصيب في ذلك الشّعور الذي سيسكننا فيحسّ كلّ من حولنا بروعة المطلب وخصوصيته ونصل إلى الحدّ الذي يعلم كلاًّ منّا بمدى أهميّته عند تحقيق معادلة السّعادة لنا وتحقيق مبدأ..(إصنع السّعادة لغيرك..).
..
البعض منّا يحاول فتح أبواب السّعادة والفرح ويعمل كلّ ما يستطيعه في سبيل تحقيق تلكم المشاعر له ولغيره من المحيطين به فإن لم يجد تلك الأبواب والسُّبل قام بصنعها وتهيئتها بجهده وبنفسه، بين الحين والحين يمرّ في الخيال مشاهد لتلك الجموع الكبيرة التي أسفاً لم أرها بعيناي فقط سمعت عنها أحاديثاً كثيرة فصنعت في القلب سعادة رغم الحزن الذي يسكن فيه، تلك الأجساد التّي تسابقت وتدافعت لتودّعك والتي حضرت من بقاعٍ عدة حقّقت لي بعضاً من السّعادة رغم ذاك البؤس والألم الذي إحتواني ليلتها ولا زال يحتويني، فأنا لم أكن هناك شاهداً وحاضراً ولكنني سمعت عن تلك الجموع الحزينة التي حضرت لتزُفّك إلى المرقدِ والثّرى، وعلى الرغم بأنّني لم أشاهدها بعينايا إلاّ أنّ سماعي عن كثرتها علّمتني عن السّر الذي جعل المكان ممتلأً عن آخره، نعم السّر الكبير كان هو مبدأ..(إصنع السّعادة لغيرك..).
..
حبّ لأخيك ما تحبّه لنفسك على أن يشمل المعنى حبّك لجميع من حولك بكلّ ما تحبّه أنت لنفسك، كُن صاحب فضلٍ متصفاً بالإيثارِ تعطي النّاس أفضل وأجود ما عندك وتقدّمهم على نفسك، نعم ذلك هو المفتاح الذي منه تبدأ بصناعة البسمة في وجوه الناس، نعم من هناك قد تمنح غيرك السّعادة الحقيقية المنشودة، فذلك المبدأ أو المسار أو الأسلوب أو لنسميه ولنصفه بالذّي تهواه عقولنا هو من أفضل الأمور التي تجلب وتصنع السعادة والبسمة لنا ولمن حولنا ويتحقّق ذلك فقط عندما تكون النّية طيبة وصادقة مع ما نقدّمه ونمنحه للآخرين، ذلك المبدأ الذي إن تمسّكنا به لطابت قلوب العالم أجمع لنا، وهو من الأمور الحِسان التي لا ينقطع بها ذكر أسماؤنا من الألسن دهراً حتّى عند رحيلنا عن ذاك المكان الذي كنّا نسكنه مع الأهل والجيران، فحبّ الآخرين ومنحهم الأجمل أو مُقاسمتِهم أفضل ما لدينا هو الدّيدن الذي جعل تلك الوفود جمعاً وفُراداً كباراً وشباباً وحتّى الصغار يأتون إلى حيث يتمكّنون فيه تقديم الشّكر والعرفان لليد التي قدّمت الخيرات التي عرفها ولمسها القاصي والدّاني منهم، جميل أن تسمع النّاس يتكلّمون عن تلك الفضائل والمآثر التي تخصّ من نحبّهم دون أن يكون لنا علمٌ بها، من الرّائعٌ أن تسمع عن مقدار الحبّ المكنون في قلوب الناس لمن نحبّ فقط لأنه عمل بصمتٍ لتحقيق حبّ لغيرك ما تحبّه لنفسك وذلك فقط من خلال مبدأ..(إصنع السّعادة لغيرك..).
..
تتعدّد الأبواب والطّرق التي تمكّننا من إحداث وصناعة الفارق في الآخرين وجعل جانباً من حياة أحدهم مليئةً بالسعادة والإبتسامة، تتعدّد ولكن الأفضل منها هي أن لا تدع شكوكاً في عقول الذّين تنوي تقديم الأفراح وصُنع الإبتسامات لهم، تتعدّد ولكن قد يكون تطبيق ما جاء في الكتاب الحكيم من قوله تعالى في سورة البقرة/ الآية٢٧١ (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم)
لهو الفعل الأجمل والأروع ونحن في نيّتنا صنع السّعادة والفرحة لغيرنا، أجل أنت يمكنك أن تصنع تلك السّعادة لغيرك عندما يكون التنفيذ سرّياً لا يعلم عنه سواك وربّما لن يعلمَ من تقدّم له السّعادة شيئاً عنك، أجل قدّم وقم بأعمالك الخيرية الجليلة ولا تتحدّث عنها رياءاً باحثاً عن المديح والتّبجيل من الآخرين، إحقاقاً للحقّ الذّي لم أعلم عنه أبداً ولم يعلم عنه سوى القليل جدّاً من الناس؛ تلك الصّدقات والأعمال الخيرية ما كانت ستُظهر لنا حقيقتها لولا أن ملئت تراب تلك السّاحة ذاك الحشد الكبير من الناس الذين كوّنت أياديهم العالية وأكتافهم سلسلة بشرية طويلة ينقل جبلاً مليئاً بالطّهر الذي لا يقاوَم، وحملت بصدق سواعدها النّعش الذي كان يفوح منه رائحة زكيّة بِعبْقها وكأنّ باباً من أبواب الجنّة تبسّم وفُتِح ليستقبل أحد صُنّاع السّعادة في الدّنيا، أجل مثل تلك الحشود لن تُشاهَد سوى لمن كان حكيماً مع غيره وفقط من سيأخذ على عاتقه إيجاد البسمة للنّاس، وليذْكُرك ويتَذكّرك المجتمع..(إصنع السّعادة لغيرك..).
.