2024
Adsense
مقالات صحفية

“5000” وحدة دم ،،، غير كافية

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

لن أكون مبالغاً إن قلت إن موضوع التبرع بالدم يشغلنا جميعا كمجتمع، وهذا الاهتمام الخاص له ما يبرره، وهذا الاهتمام الخاص يقينا؛ ليس معنيا به وزارة الصحة، وإنما معني به كل فرد يعيش على هذه الأرض المباركة، مواطنا كان أو مقيما، سواء بسواء، ذلك أن وفرة وحدات الدم في بنوك الدم المنتشرة في مختلف أنحاء السلطنة معناه، تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب، ومعناه إنقاذ حيوات كثير من الناس الذين يتعرضون لمخاطر مفاجأة وخطيرة لأي سبب كان.

عند مدخلك إلى بنك الدم الموجود في المركز الصحي ببوشر يقابلك مجسم لـ “قطرة دم” مكتوب عليه العبارة التالية: “أكثر من (5000) وحدة دم تحتاج اليها المؤسسات الصحية شهريا”، وهذه العبارة أكيد لم تأت من فراغ، وإنما من معايشة ومعاناة يومية يعرفها المختصون في بنوك الدم، والذين يجوبون الأماكن المختلفة، ويزرون المؤسسات الكثيرة الخاصة منها والعامة؛ بغية الحصول على قطرة الدم هذه، حيث لا تزال بنوك الدم تعاني من الشح المفرط في هذا الجانب، ربما ليس لقلة المتبرعين فقط، ولكن للاستنزاف في استخدام الوحدات المتوفرة جراء الحوادث الكثيرة التي يتعرض لها الناس، وخاصة حواد السير، وبعض الأمراض الخطيرة والمزمنة، والعمليات الجراحية الطارئة التي يحتاج فيها المرضى إلى كثير من وحدات الدم.

عند زيارتك لأحدى بنوك الدم، تجد في بعض الأحيان أن هناك متبرعون ينتظرون دورهم، وهذا المشهد يكبر في نفسك، وتقول: الحمد لله، لا تزال الدنيا بخير، ولكن في أحيان كثيرة قد لا تصادف أحدا، فتتأسف على هذا الواقع وتقول: لو يعلم الناس الحاجة الملحة لهذا التبرع لما تردد أحد عن القدوم بنفس راضية واهبة للعطاء، وأي عطاء هذا أكبر من أنك تقدم قطرات من دمك لآخرين لا تعرفهم، ولا تربطك بهم صلة ما، سوى الإنسانية، وصدق وفائك لوطنك، وإخلاصك له، فالوطنية ليست شعارات براقة نكتبها في كلمات، أو نجسدها في مشهد درامي، ولكن هي مجموعة أفعال توظف على الأرض في ممارسات كثيرة، ومنها هذا الفعل الإنساني الخير، وهو التبرع بالدم، وليسأل أحدنا نفسه، كم تبرع بالدم في السنة الواحدة؛ إقداما من ذاته من دون اضطرار، من خلال وجود أحد من أهله أو أصدقائه على سرير المرض؟ فمن تكون إجابته سلبية، فعليه أن يراجع نفسه، وليدرك أنه في يوم من الأيام سيذهب مضطرا إلى بنك الدم ليتبرع لقريب أو صديق، فالدنيا دواره، وغير مأمونه، وما تدري لعل الله يعفيك عن مشقة ذلك في ساعة العسرة، لأنك وهبت قطرات من دمك في ساعة اليسرة (وما ربك بظلام للعبيد).

هناك عدد غير قليل تحادثه نفسه بالقول: “عندما اضطر سأتبرع”، وهذه قمة في الأنانية، لأنه في حالة الاضطرار ستترجى القريب والبعيد لكي ينقذ حياة من هو نائم على السرير؛ والذي تحترق أعصابك عليه، وترتبك نفسك لأجله، وتود الدنيا كلها أن تقف إلى جانبك، فأظنوا بالله خيرا في الرخاء، سوف يسعفكم في الشدة، والحياة كما يقال دائما: “يومان؛ يوم لك، ويوم عليك” فلا تبخلوا بقطرة دم تعيد الابتسامة لطفل للتو يبدأ رحلة الحياة، أو تجددوا أملا لآخر يرى أن الستارة الداكنة قد بدأ إسدالها، لا تفتوا هذه الفضاءات الجميلة أمام الآخرين التواقين إلى العيش الهانئ كما أنتم تعيشون وتمرحون، فهناك أنفس أظناها المرض، وملت الإقامة على الأسرة البيضاء، صدقوني قطرة دم لن تكلفكم الكثير، ولكنها سوف تسعد الأكثر، ويا مكسبكم من دعاء صادق في هدأة الليل رفعه من أنقذتم حياته بقطرة دم لم تحسبوا لها حساب الربح والخسارة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights