في الاستثناء أحياناً
أحمد بن سالم الفلاحي
البعض منا -إن لم يكن أغلبنا – ليس له أجندة يومية، ينجز من خلالها مجموعة المهام والمسؤوليات التي يجب ان يقوم بها طوال نهار اليوم، وبعض من الليل، ولذلك تأتي النتائج هكذا وفق ما أتفق، أو حسب ما يتوافق مع الصدفة، وهذا أمر مقبول في سياق الحياة العادية، ولكن عندما تتعقد الحياة، وتأخذ مسارات عميقة، واتجاهات مختلفة، يصبح هذا الأمر غير مقبول، وربما يكون مربكا في بعض المواقف.
فأي منا عندما يعقد العزم على القيام برحلة برية بصحبة أسرته، أو حتى أصدقائه، لابد أن تكون الاحتياطات الاحترازية في قمة استعداداتها، تحسبا لأي موقف قد يحدث في هذه الرحلة، لأنه لو حدث شيء بقدر الله، يقينا لن نسامح أنفسنا على عدم الأخذ بالاحتياطات اللازمة، مع رضانا المطلق بما يقدره الله لنا، ومع إيماننا المطلق أيضا بأن ما جرى، أو يجري هو خاضع لمشيئة الله تعالى، ولكن ذلك لن يعفينا من صدمة السؤال عن سبب إخفاقنا في أمر ما من أمر هذه الرحلة، وهي رحلة تظل قصيرة قياسا برحلة الحياة عند كل واحد منا، والتي تمتد إلى عشرات السنين، قد تصل إلى عمر المائة عام لبعض من الحالات.
هذه الحالة التي نتحدث عنها قبل أن نصل إلى الإستثناء، لأن الاستثناء يفترض ان يكون خارجا عن نطاق ما تم اعتماده في برنامج ما، أو خطة ما، أو صورة ما خاضعة لمقاييس محددة، وتذهب الرؤية أكثر إلى طرح السؤال التالي: إلى أي حد يكون الاستثناء مؤثرا بصورة واضحة وهو خارج السياق في كل تفاعلاتنا اليومية؟ هناك من يجيب على هذا السؤال بضرب مثل بسيط: فلو أن أحدنا تناولا كتابا يقرأ فيه لمدة نصف ساعة قبل مزاولة العمل، فحتما سيكسب أكثر من ساعتين قراءة في أسبوع العمل، بينما أغلبنا اليوم لا يقرؤون نصف الساعة طوال الإسبوع بأكمله، فهذا الاستثناء في القراءة من الجدول المعتمد لممارسة الوظيفة أيا كان نوعها، هو الذي أكسبنا هذا الزمن الجميل من الجلوس مع الكتاب، وليتخيل أحدنا كم من الأفكار التي سوف تمر عليه خلال النصف ساعة قبل بدء العمل، والذي هو الأساس الذي قطعنا المسافات الطويلة للوصول إليه.
هنا لا أدعو أن يكون ذلك على حساب العمل، أو الوظيفة واللتين هما مأتمنين عليها، ولكن في المقابل من منا يسخر كل وقته للوظيفة المسنودة إليه، وهذا ما يجب الانتباه إليه، وبالتالي فإن عدت القراءة استثناء من هذه القاعدة، فمعنى هذا الإستثناء جميل ومبارك، ويستحق التقدير، وينظر إليه بعين الإعتبار، ومع ذلك تبقى هذه المسألة شديدة القرب أيضا، فلو أن أحد أولياء الأمور أراد أن يعلم أولاده العلوم الحديثة القائمة على التجربة، ويأتي في باب الاستثناء، ليدرسهم أحد العلوم الانسانية، فهذا يقينا يعد استثنائيا، لكن في الوقت لا يجب أن يكون ذلك استثناء، أو هكذا يجلب أن ينظر إليه، لأنه في النهاية علم، والجميع يتوق له التعلم، وإلى العلم والبحث عنه، هذا في السياق العام، أما في السياق الخاص، فهو إستثناء، وإن تفاوت الحكم من قبل المنظرين في الاتجاه الآخر، في طريق الرحلة إلى مكان ما، يظل من القليل أن لا نشتري جريدة ما، حيث تسند مهمة القراءة إلى أحد الأبناء الأكثر قدرة على القراءة، بغية معرفة ما يدور في العالم من حولنا، هذا الجانب يعتبر استثناء في رحلة قصد منها الترفيه عن النفس، والجلوس في هدوء بعيدا عن صخب الحياة اليومية، ومع ذلك ينظر إلى الجريدة استثناء في مقصد الرحلة، ولكنه استثناء جميل حيث سوف يضعك على واقع آخر، ربما لم يدر في خلدك، وأنت تعد نفسك لهذه الرحلة، وقس على ذك أمثلة كثير، وفي مجمل هذه الصورة يظل الاستثناء إيجابيا، ويضيف بعدا معرفيا آخر لا يمكن إغفاله.