(يا لَبيب..كُنْ لَطيف وتذكّر الأرحام)
فؤاد آلبوسعيدي
siaq2007@gmail.com
أستغرب من البعض ما أن يصل إلى منصبٍ ومرتبةٍ كبيرةٍ في الوظيفة أو في حدود مجتمعه إلا وتراه مُنْفِراً يُغيِّر تعاملاته مع غيره من البشر ويُبدّل نوعيّة علاقاته مع أقرانه ويدير دائرة حياته الأسرية والمجتمعية وكلّ إتجاهاته ٣٦٠ درجة، فتراه يغير من طبعه الذي كان عليه مع أقرانه الذين صال وجال معهم في ماضيه، وقد يقوم بتغيير أصدقائه وجماعته، والبعض قد يبالغُ ويصل إلى الحدّ الذي يجعله يَنْكُر أهله وأقاربه الذين نشأ وترعرع معهم منذ ولادته.
يقول الروائي والشّاعر الفرنسي الشّهير -فيكتور هوجو -…
(الناس يولدون من بطون أمهاتهم أحراراً متساوين في الحقوق، ولكن عندما يخوضون معترك الحياة لا يعودون متساوين في الحقوق ، فمنهم من تسلب حريته و منهم من يعاني الفقر أو المرض أو الجوع ، و قلة من الناس من يهتمون بهم ، ثق بأن طريقة تغيير هذه الصورة القبيحة سهلة جدا ، ما علينا إلا أن نقدر قيمة هذه الحياة التي أنعم الله علينا بها و نقدر حياة الآخرين ، إن حدث هذا فإن عالمنا سيصير مكانا آمنا ينعم به جميع الناس، ستكون حياتهم هادئة، هذا ما نحلم به جميعا).
الكثير من الصُّور التي مرت عليّ وربَّما تواردت أيضاً في حياة ويوميات الكثير غيري من الناس في مجتمعاتنا، نجدها في أشخاصٍ يستأسَدون ويستَقوون على الفقيرِ والضّعيف، فَجوراً يقومون بأكل حلالٍ ليس لهم، ويقومون بإستنزال جبروتهم الطَّاغي على من لا يملك قوّة صدٍّ لهم متناسين أنّ الذي أنشأهم ووهبهم مناصبهم ووجاهتهم في العمل والمجتمع إِنَّما هو بقادرٍ أن يسلِبَهم كلَّ ما قد وصلوا إليه من وقارٍ شكليٍّ زائِل.
قِصَّة قابيل وهَابيل للأسَف تتكرّر علينا كثيراً في هذا الزّمَن، ولكن ليس من الضرورة القول بأنها تتكرر عن طريق القتل والعنف وإراقة الدِّماء، بل هي قد تحدث بطرقٍ وأساليبٍ مختلفةٍ..، فكم من ربّ عملٍ ومسؤول قتل موظفيه من خلال حرمانهم بحقوقهم وقتلٍ جائرٍ لإبداعاتهم ومجهوداتهم وربّما إعفائهم من كرم الوظيفة وإلباسَهم رُغْماً عنهم ثياب البُؤس والضِّيق، وكم من مُسْتضعفٍ في عمله قد تَمادى وتَنمَّر عليه شخصاً أعلى منه رُتْبةً ومنصباً بلا أي وجه حقٍّ يَمْلِكه؟؟
من الأقوال التّي قرأتها منذ سنين مضت لأحد الفلاسفة المسلمين الذي عاش في العصور الأندلسية الإسلامية ألا وهو -ابن حزم الأندلسي- (لا تزهد فيمن يرغَبُ فيك ، فإنه باب من أبواب الظلم)..، لنأخذ من ذلك القول الجميل حكم نستفيد منها ونحن نتعامل ما أقرباؤنا وأرحامنا، فمن السوء أن نلاحظ كثرةٌ مِن النّاس قد قَتلَ وقطع بقصدٍ كلَّ مواصيل القرابة والأُخوّة بسبب حُبَّ الجاه والمال الذي ملكه في الدنيا؟ كم فقير قد نسيه شخصاً غنيّاً وقريباً له من صُلبه ورحمه؟؟ أوليس الأقربون أولى بكلّ معروفٍ يستطيعه كلّ إنسان؟؟
لماذا نتناسى ما كُنّا عليه في الماضي قبل أن نَغْدو إلى ما وصلنا نحن إليه في وقتنا الحاضر؟؟ ألن يكون أمرنا جميلاً وصائباً لو نعود إلى ما جاء في ديننا من الكتاب وسيرة نبيّنا من توصيةِ الإنسان برعاية وحسن معاملة غيره من الناس؟؟ والمقصود هنا بغيره من الناس هو كلّ المجتمع الذي يتعامل معه في يومياته أكان ذلك في بيته وأسرته وعائلته أم كان ذلك في محيط عمله.
فغريبٌ هو الإنسان عندما يُغيّر ويسْلَخُ جِلدَته بعيداً عن أبناءِ جلدته في لحظاتِ غرورٍ وتكبُّرٍ تعصفَ عليه لفترةٍ قد تمتدّ طولاً، فَمِنْ ما رأيته من صورٍ مخزية ومخيّبةٍ أن يقوم بعضهم بتغيير إسمه ولقبه الذي عرف عنه منذ صغره إلى غيرها من المسمّيات والألقاب الأخرى التي تميزه بعيداً عن أقاربه من الفقراء المساكين، بل وتصل حدود البعض الكثير من هذه الفئة أن تَنْهَر كُلَّ من كان له رحِماً بالصِّلةِ ومرتبطاً به بالدّم فيَطلبَ منهم أن لا يذكروا أمام المَلأِ ذاكراً أيَّ ذكرٍ للقرابة بينَه وبينهم، فمن علينا أن لا قول رسولنا الكريم في إحدى دروسه وأحاديثه..
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال بصلتهم لأرحامهم).
أيها الإنسان..لا تنسى بأن من أوصلك إلى حيث أنت الآن كريماً وعزيزاً وغانِماً، إنَّما بيده أن يُبدلك ويُرجِعُك كما كنت قبل حاضرك هذا لتعيش في ضيقٍ من الحالٍ بسبب جبروتك وغرورك بنِعَمِ أكرمكَ الكريم بها وفضائل أقامها الباسط لك لترفعك فتقوم بشكرهِ لا أن تقوم بنسيان قُدرته عليك وعلى العالمين أجمع، فإنه واللهِ يُمْهِل ولا يُهْمِل.
فتذكّر دائماً يا لبيب بأنك لم تُخْلَق في هذه الحياة لتكون جبّارا ًفتنسى بأن ربّك هو الجبّار الكبير بقوّته التي تغَافلتها، وإن كنت ظالماً فلتعلم بأن هناك عادلاً بيده أن يُضعِفك ذليلاً في شأنك ومُهاناً بين خلائقه، فإن كُنتَ لَبِيباً فَلِتَفهَم ما جاء في حُروفي..، وإلاّ فانتظر العقاب من ربّ النّاس.