قصة الصديقان .. الحلقة الثالثة

فايل المطاعني
ضحك محمد، رغم ما بدا عليه من قلق وخوف، ولكنه جذب صديقه من يده وأغلق الباب بهدوء. ثم قال له:
محمد:
“عمر، ممكن تكون جديًّا شويّة.” ثم تابع حديثه:
“بالفعل، أنا في ورطة كبيرة. لا أستطيع البوح بهذا الحب لأحد غيرك. ليس خوفًا على نفسي، ولكن خوفًا على أهلي. وأنت تعلم ماذا أقصد. عائلة الكوس ليست عائلة عادية. هم عصب هذا البلد. هم تجار من قديم الزمان، وكلمة منهم، إذا غضبوا، كفيلة بفتح أبواب جهنم.”
فتح عمر نافذته المطلة على الواجهة البحرية وقال موجّهًا كلامه إلى محمد:
عمر:
“تذكر عندما كنا طلابًا، نجلس على الشارع البحري، وكل واحد منا يحلم بفتاة أحلامه. وفجأة، رأيت ضوء شمعة يضيء من إحدى الشقق المطلة على الشارع. وقتها قلت لي: ‘أتمنى أن تضئ لي فتاة أحلامي شمعة، تشعلها من أجلي، وتفكر بي’. كانت أحلامنا بسيطة، متواضعة.”
محمد:
“نعم، كنا نريد فتاة، أي فتاة. بيضاء، سمراء، أو حتى خضراء، المهم فتاة والسلام.”
ثم تابع:
“تذكر عندما كنا في السكن الجامعي، ووجدت أمام غرفتي قطة سوداء، فقلت لك: ‘انظر يا عمر، أنا محسود. وهذه هي الدليل’. فقلت لي ساخرًا: ‘أنت حاسد نفسك، فكر بمنطق. لماذا تهرب النساء منك؟ أسلوبك المنفر’.”
سكت محمد قليلاً عندما لمح تأثر صديقه، وأضاف قائلاً بعدما وضع يده على كتف عمر:
“المهم، ما الذي جعلك تفكر في ابنة الكوس لتكون شريكة حياتك التعيسة؟ أيها الأحمق. ابنة الكوس شبيهة بالريح. أنصحك كأخ، أن تبتعد عنها. هؤلاء من الطبقة المخملية، بينما نحن، أنت وأنا، نحاول أن نجد لنا ظلًا تحت شمس عمان الحارقة. فلا تفجع أهلك بك. بكلمة واحدة من الكوس الكبير، كفيلة بأن تذهب بك خلف الشمس مباشرة.” ثم همس عمر:
“اعقل يا صديقي.”
قاطع محمد:
“حاولت قدر الإمكان أن لا أشغل نفسي إلا بالمهمة التي جئت من أجلها، وهي تعليم ابنتهم. ولكن فجأة وجدت نفسي أحبها. لا أعرف كيف حدث ذلك، لكنه حدث. والآن، جئت إليك لكي تساعدني.”
اقترب محمد من عمر وقال:
“أنت ذو ثقافة عالية، ولسانك ينقط عسلاً، كما يقول المثل لدينا.” وقال ضاحكًا:
“يكفي أنك خريج السوربون، أشهر جامعات فرنسا.” ثم تابع محاولًا إغراء صديقه بمقابلة الفتاة:
“طيب يا عمر، قابلها أولاً وبعدها احكم. سأعزمك على الغداء في مطعم ‘الأنعام’، وسأعزمها أيضًا. وسأقدمك لها كصديق طفولتي. وبعدها، قل رأيك.” ثم وكزه بيده ضاحكًا:
“يا أخي، فرصة أن تتعرف على بنات الطبقة المخملية.” وضحك الاثنان.
منى الكوس
تعرض عمر لوعكة صحية أدخلته المستشفى، وكان صديقه محمد مرافقًا له.
وفي اليوم الثالث، رن هاتفه المتحرك. نظر عمر إلى الهاتف فاستغرب من الرقم المتصل؛ كان رقمًا دوليًا من المغرب.
أخذ عمر الهاتف بسرعة وهو يقول:
عمر:
“السلام عليكم.”
المتصل:
“وعليكم السلام. من معي؟”
كان الصوت نسائيًا، جميلًا فيه ترف ونعومة، وبحة زادت من جماله.
لم ينطق عمر، فقد اندهش من جمال الصوت ومن مصدر الاتصال، لكن المتصلة كررت قائلة:
المتصل:
“السلام عليكم، حضرتك المحامي عمر عبدالله؟”
عمر (مفاجئًا):
“نعم، أنا. من معي؟”
بدأ عليها الارتباك فقالت معتذرة:
المتصل (مبتسمة ولكن في حياء):
“المعذرة، مسيو عمر. أنا منى عبيد… أقصد منى الكوس.”
قالتها بأدب. ظل عمر حائرًا قبل أن يتكلم، وكأن أحدًا قد ألقي عليه ماءً باردًا في أوج برودة الشتاء، فشلت جميع أطرافه.
منى الكوس:
“مسيو عمر، أنت معي؟”
ظل عمر مرتبكًا، لا يتكلم، ولكن أنفاسه كانت مسموعة من خلال سماعة الهاتف.
منى:
“أستاذ عمر، أنت معي؟”
وبعد جهد، استطاع عمر أن يسيطر على نفسه وقال:
عمر:
“نعم، معك.”
ضرب بيده على طاولة الطعام الصغيرة وقال:
“سامحك الله يا محمد! هل كان من الضروري أن تعطي هذه الغيداء رقم هاتفي، لتشعل بصوتها الجميل صيف عمان الحار، وتجعله يتحول إلى لهيب من النار؟!”
بدأت الفتاة بالحديث بعد أن سمعت رد المحامي عمر:
منى الكوس:
“الحمد لله على سلامتك. أخبرني الأستاذ محمد بأنك مريض، فقلت أتصل عليك لكي أطمئن عليك. ومن ثم دعوتك.”
وسكتت لحظات قبل أن تضيف وكأنها تجذبه بقبول الدعوة:
“علمت أنك تحب الأكل المغربي. هل لديك مانع أن تزورنا في المغرب؟ نحن نقضي الصيف هناك. وتذوق طعامنا.” ثم سكتت، وبعدها قالت:
“والدتي مغربية. والدتي ستفرح كثيرًا بك، سيدي.”
حاول عمر أن يتمالك نفسه وبدأ يستوعب اللحظة، فأخذ زمام المبادرة قائلاً:
عمر:
“إن شاء الله في أقرب فرصة، سأقوم بزيارة للمغرب. وإن شاء الله سنتواصل.” ثم قال بالفرنسية:
“Merci, princesse.”
منى:
“De rien.”
وبعد أن أنهت المكالمة، جال في خاطرها سؤال أو لحظة إعجاب خاطفة:
“ما شاء الله عليه، يختلف تمامًا عن صديقه محمد. يتكلم بأدب، هادئ، لم أشعر من خلال كلامه أنه متهور. شخص متزن، ليس متسرعًا. وصوته جميل.”
أحست منى بالراحة وهي تتحدث مع عمر عبدالله.
أمسكت وردة كانت بجانبها، وأخذت تحدثها:
“بصراحة، ارتحت له.” ثم همست للوردة:
“لا أدري ما هذا الشعور الذي بدأ أشعر به هذه اللحظات، لا أدري…”
يتبع…