هل نعرف حقًا معنى السعادة؟

سليمان بن حمد العامري
ذات مساء، سألني صديق حائر: لماذا أشعر أنني أملك كل شيء… ولكن لا شيء يسعدني؟ سؤال بسيط في ظاهره، عميق في باطنه، يكاد يختصر معاناة جيل بأكمله. نبحث عن السعادة، نركض خلف الفرح، ونظن أنهما يكمنان في المال، أو في الوظيفة المرموقة، أو في الشهرة، أو في العلاقات مع أصحاب النفوذ، فنمضي أعمارنا في سباق لا يهدأ، نلاحق ما نظنه السعادة، ونبني أوهامنا على صور مثالية تبثها الحياة من حولنا، ونعجز عن إدراك أن ما نبحث عنه ربما لم يكن هناك أصلًا.
نبلغ أحيانًا ما كنا نظنه القمة، نحقق المال والمنصب، ونحصل على ما ظنناه مفتاح السعادة، لكننا نفاجأ بأن الفراغ ما زال قائمًا، والطمأنينة لم تُولد، والقلب لا يزال مضطربًا، ويظن البعض حين يُحرم من هذه الأشياء أنه خسر الدنيا والآخرة، فيقسو على نفسه بالحكم بالفشل، وكأن الحياة لا قيمة لها إلا بمادة تُمسك أو منصب يُشار إليه، لكن الحقيقة تظهر، وغالبًا ما تأتي متأخرة، حين نُرهق، أو نخسر، أو نواجه لحظة صدق مع الذات، فنكتشف أن الفرح الحقيقي والسعادة الأصيلة لا تُصنع من الخارج، بل تُزرع في الداخل، وتُروى بالقرب من الله، فهناك فقط يسكن الاطمئنان، وتُثمر الراحة في القلب.
حين تأملت أصل تكويننا، وجدت فيه رسالة عظيمة. أنا من تراب، ذرة صغيرة في ملكوت الله، نفخ فيّ من روحه، فصرت حيًا، أفكر وأرغب وأتألم وأحب. كنت نطفة لا أملك لنفسي شيئًا، ثم صرت بشرًا، لا بقوتي، بل بقدره، ثم جعلني زوجًا، أعيش مع من يشبهني ويكملني. وكل أم في الأرض لا تحمل طفلها ولا تضعه إلا بعلم الله. أليس هذا دليلًا على قربه منا؟ أليس في هذا ما يزرع الطمأنينة فينا؟ ثم يخبرني أن عمري مكتوب، وأن رزقي مقسوم، فلماذا الخوف؟ ولماذا القلق؟ لقد بدأت أؤمن أن الطمأنينة الحقيقية ليست في كثرة التخطيط، بل في حسن التسليم، وأن الأمان لا يُختصر في المال، بل في القرب منه سبحانه، فهو القائل: إن ذلك على الله يسير، فهل يصعب عليه همنا؟ حزننا؟ شتاتنا؟
وإذا تأملنا في القرآن أيضًا، نجد أن الله تعالى ربط المال والبنين بالحياة الدنيا فقط، وهي فانية، فقال: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”الكهف ٤٦، ثم وجهنا إلى ما هو خير وأبقى، فقال: “والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا” الكهف ٤٦. تلك هي المعادلة التي غفل عنها الكثير، حين استبدلوا الزينة بالمصدر، والمؤقت بالباقي. أنا لا أقلل من قيمة السعي، ولا أعارض طلب العيش الكريم، ولكنني أقول :إن السعادة، في أصلها، لا تكمن في المادة كما يظن كثير من الناس، بل في الصلة بالله، والرضا بما كُتب، والثقة بأن ما عند الله خير وأبقى.
فهل آن لنا أن نعيد تعريف السعادة؟ وهل نملك الشجاعة لنرجع إلى الأصل بعد كل هذا التيه؟ لعلنا بحاجة إلى وقفة صادقة، نسأل فيها أنفسنا: أين نبحث عن السعادة؟ وهل ضللنا الطريق؟ أم أننا لم نبدأ البحث في المكان الصحيح أصلًا؟