مقال: حدث في مجلس ما ..
أحمد بن سالم الفلاحي
المجلس مكتظ بالحضور، والفئة الطاغية فيه هي فئة الشباب ما دون الأربعين عاما من العمر، منظر مزهر بالفعل، بعد أن ودع كبار السن الحياة في وتركوا تركة ثقيلة على هذا الجيل، تركة القيم النبيلة السامية، والتي تعكس أحدى ممارساتها السبلة أو المجلس، التي أرسست مناخات اجتماعية رائعة في كل مجالات الحياة، فلم يدعوا صغيرة ولا كبيرة إلا قوموها بمثل، أو قصة، أو حدث، أرخت لذاتها حياة أخرى من استطاع أن يستوعب معانيها الرائعة كان له فضل الوعي المبكر بالحياة، صحيح أن الحياة تصنع قيمها ومبادءها؛ وعناوينها العريضة من خلال تجربة الناس فيها، ولكن هذه التجربة تحتاج الى الكثير من الممارسة، والكثير من العمر الجميل الذي يقضيها احدنا فيها، ولذلك جاءت هذه الأمثال والحكم من أفواه من طحنتهم التجارب الحياتية المختلفة بمثابة الهدية الكاملة، وبلا مقابل مادي صرف، أكثر من ضرورة استيعابها وهضمها.
ما حدث في هذا المجلس أن كل من جاورته في لحظات المكوث القصيرة هنا يتحدث عن هذه القيم الاجتماعية التي بدأت تنسل رويدا رويدا من ذاكرة الأجيال، وكأن هناك قلقل ما خفي لدى الغالبية العظمى ممن جلست معهم من انسلال هذه القيم عن مكمنها، مع التسليم، كما فهمت من البعض الآخر، بقوة تأثير الآتي البديل، وفق سنن الحياة أيضا، قفانون الحياة محدد آخر لزرع قيم جديدة، وتبديل أخرى لم تعد قابلة للتطبيق في زمن أجيال تتشكل بتجربتها الحياتية، وتؤمن بما تنجزه في هذا السياق، ولها الحق في ذلك، وما فهم المعنى الدلالي الكبير: ” ولدوا في زمن غير زمانكم” عنا ببعيد، ذلك شأن مهم في هذا الاتجاه، وهذه إحدى الحقائق الوجودية بلا جدال.
ما عكسه هذا التجمع الشبابي الواضح هو هذه الكوكبة من أبناء عمان الذين تختلج نفوسهم بالكثير من الرؤى والطاقات، وبالكثير من الهمم الذي تعكسه هذه الوجوه الجادة، وهو ما يعبر عنه مفهوم “الهدية الديموغرافية” التي تميز الحالة السكانية في السلطنة، على وجه الخصوص، وهي الحالة التي تنبئ عن مستقبل مزهر لعمان تصنعه هذه الكوكبة من أبنائها، وكما هو معلوم أن نسبة الشباب في مجموع تعداد السكان في السلطنة تمثل أكثر من (50%) وهذا واقع أكثر من مهم، خاصة عند الحديث عن طاقات القوى العاملة في المستقبل، فالمجتمع العماني بهذا الواقع بعيد كل البعد عن الحالة “الهرمية” المعيقة للتنمية في بعض دول العالم، والمهم هنا أكثر هو كيفية توظيف هذه الطاقات لمتطلبات التنمية حاضرا ومستقبلا، وليس من رهان على هذا التوظيف إلا بقدر تضخيم قنوات المعرفة، وإكثارها، وإفساح المجال أمام البرامج التدريبية المستمرة، والمكثفة في كل مجالات التنمية، حتى يتم بالفعل التوظيف الحقيقي لهذه الطاقات في هذه الأعمار المبكرة من حياتها، وحتى لا تتعرض لإغراءات الممارسات الخاطئة، وما أكثرها اليوم، أكثر من أي وقت مضى بفعل الثورة الاتصالية، كما هو معروف.
هذا المجلس الذي حضرته ليس استثناء عن القاعدة، فكل المجالس تزخر بهذه الصورة الجميلة التي تبهج النفس، وتترك أثرا حميدا في النفس، فالشباب هم زهرة الحياة الدنيا، وتوظيف طاقاتهم هو العنوان الكبير للحياة التي نعيشها، صحيح أن كبار السن هم خلاصة تجربة رائعة لحياة مضت، وأقوالهم في الحكم والأمثال بمثابة علامات الاسترشاد للمضي قدما في دروب الحياة، ولكن تبقى للرؤية البصرية جماليتها، ونضارتها، وافتتانها الكبير، خاصة عندما يكون الشباب هم من يستحوذ على المشهد، فبهم وعليهم تزهر الأوطان، وتكبر الأحلام، وتتحقق الغايات.