الخميس: 27 مارس 2025م - العدد رقم 2502
Adsense
مقالات صحفية

ماذا لو سافر “لقمان”؟

صالح بن خليفة القرني

كنت في حوار مع أحد الزملاء؛ فأخبرني بأنه وإخوته لا يعلمون شيئاً عن مزروعاتهم وحصص الماء فيها ولا حتى مواقعها جميعاً، فقد تركوا الأمر بعد وفاة والدهم للعامل الذي أكمل لديهم أكثر من ثلاثة عقود، وكان يعرف أدق التفاصيل عن الزراعة وآثار الماء من الأفلاج وأوقاته، وحتى حينما يذهب لإجازته كان يختار أحد أقاربه ليعتني بالمزارع.

كان هذا العامل يدعى “لقمان”، وقد شارف على الخمسين وهو نموذج يُدَرَّس في النشاط إذ يستيقظ قبل الفجر ويواصل عمله حتى المغرب، بل أن بعض لياليه يقضيها “يحاضر” الفلج، هذا العامل لم يشتكِ يوماً من صعوبة العيش رغم راتبه الهزيل وقلة ذات اليد. سأله أصغر أولاد كفيله: “لقمان” إنت ما تتعب؛ فكانت إجابته كالصاعقة لهذا الشاب المنعم الذي لم يعرف في حياته بخساً ولا رهقا، فقال؛ “أنا إذا ما في شغل كل يوم أنا يمكن موت”.

جاء “لقمان” من بنجلاديش مطلع التسعينات فقيراً معدماً، لم ينل لفقره حظاً من التعليم ولكنه نال نصيبا وافراً من الجد والحرص على التعلم؛ فاكتسب حرفة الزراعة وتعلم لغة يستطيع أن يتفاهم بها مع الناس، واشترك مع أبناء جنسه بصفة الصبر وسرعة التكيف والتأقلم مع أي بيئة يعملوا فيها، لذلك نجحوا في أن يكون لهم في بلادنا موطئ قدم.

وأنا أفكر في هذا العامل البسيط تساءلت عن أبنائنا وبناتنا هل لديهم هذا الصبر؟ وهل يمتلكون هذا التجلد؟ وهل لو فقد أحدهم عائلة سيتمكن من تحمل مسؤلية أسرة؟ وهل قمنا كآباء وأمهات بتمكينهم ليصبحوا قادرين على مواجة الحياة برغدها وشظفها؟

لأن هذه البلاد التي عمرها أجدادنا وساهمنا في عمرانها تأمل أن يقوم أبناؤنا بالدور نفسه، فإن ما نراه في بعض البيوت من قلة الشعور بالمسؤولية واستهتار ودعة وخمول وكسل يهدد بخطر قادم؛ فماذا لو سافر “لقمان”؟

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights