نظام “إجادة” : ميزان الأرقام

زعيمة الحراصية
إشكالية المعايير :
في المؤسسات الحكومية حيث تختلط التفاصيل اليومية بروح المسؤولية ظهر فجأة نظام إجادة كفكرة نبيلة وكان الهدف واضحا، وهو تقييم الأداء بعدالة وتحفيز التميز وإبراز الجهود التي تستحق التقدير، ولكن بين الحلم والتطبيق ظهرت فجوة لم تكن في الحسبان.
تخيل أن يقاس عملك اليومي بعدد المهام التي أنجزتها أو الوقت الذي استغرقته في إنهائها دون مراعاة جودتها أو تعقيدها وتجاهل العناصر النوعية المهمة مثل الإبداع والعمل الجماعي والقدرة على حل الأزمات ولا يلتفت للأفكار والمقترحات التي ساهمت في تغير مجرى العمل .
هذا فعلا ماحدث مع إجادة، فقد ركز على الكم وأهمل الكيف واحتفى بالأرقام وغض النظر عن الأساسيات التي تعنى بجوهر العمل الحكومي.
عندما تتحول التكنلوجيا إلى عائق :
في إحدى المؤسسات الكبرى، يعتبر نظام “إجاده” الإلكتروني أداة رئيسية لتقييم أداء الموظفين لكنه تحول إلى مصدر إحباط يومي.
الموظفون يشعرون بأن المعايير المستخدمة غير عادلة، تكافئ الأسماء المرتبطة بالعدد لا الجهد، وتعتمد على أرقام جافة تهمل الإبداع فهل يمكن تحويل إجادة من عدو إلى حليف؟
الفخ :
النظام الذي وعد بأن يكون الثورة التقنية في التقييم، أصبح ينظر إليه ك- فخ إلكتروني بسبب معايير كمية صارمة: مثل عدد المهام المنجزة، بغض النظر عن جودتها أو تعقيدها وتحيز -وربما يكون غير مقصود: لموظفين “مُقربين” لأنهم يعرفون كيف يلاعبون النظام وبسبب نقص الشفافية حيث إن الموظف لا يعرف كيف تُحتسب درجاته وما الذي يمكنه تحسينه.
“إجادة” تحول إلى آلة خلط بين الكم والكيف، وتكافئ من يلعبون وفق قواعدها، لا من يبتكرون خارج الصندوق.
خلف الكواليس : صرخات تتعالى : نظام يسرق تعبنا
في جلسةٍ سرية بين الموظفين للتعبير عن غضبهم:
سعاد سوف أغرد (بتوتر): بأنني أعمل 12 ساعة يوميا على مشروع معقد لكن زميلتي نضال التي تنهي مهاما بسيطة وبسرعة تأخذ تقييما أعلى مني “وتقول بتنهيدة تخرج من أعماق صدرها (حسبنا الله ونعم الوكيل).
أما عبدالله، يقول (بإحباط): لا بأس يا سعاد فإن المشكلة تكمن أن إجادة صممه مهندسون بمعزل عن واقع العمل.. إنه يفصل البيانات عن السياق وفي داخله يردد (حسبنا الله).
وفي زوايا بعض النقاشات ظهرت عبارة تتكرر: “المساواة في الظلم عدالة” جملة تبدو منطقية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تحمل تساؤلًا أخلاقيا عميقا:هل فعلا يُمكن أن يسمى الظلم عدالة لمجرد أنه طبق على الجميع؟ وإذا عوقب الجميع دون تفرقة، هل هذا يُبرر تجاهل اختلاف الجهد، والظرووف والتحديات؟
العدالة الحقيقية لا تعني أن نساوي بين من يعمل بجهد ومن يتهرب، أو بين من يواجه أزمات حقيقية ومن يعمل في راحة تامة بل تعني أن يقاس كل فرد في سياقه، وأن يُعامل كل إنسان بإنصاف يعكس ما بذله، -لا ما قيل عن.
السؤال: هل يمكن إصلاح إجادة :
هل يُمكن للموظفين رؤية كيف تُحسب درجاتهم خطوة بخطوة مع إمكانية الاعتراض إلكترونيا وهنا نقصد الاعتراض على كيفية الاحتساب وليس رفع تظلمات لا يتم النظر اليها.
هل سيسمح للموظفين إرفاق تقرير إنجاز شخصي يشرحون فيه سياق عملهم.
هل يمكن إضافة معيار التأثير الاجتماعي للمشاريع مثل : مساهمته في تدريب زملائه.
هل ستتحسن ثقة الموظفين بأن النظام يراهم كبشر لا أرقام.
فالنظام الإلكتروني ليس مشكلة بذاته، بل طريقة تصميمه وتطبيقه هي المشكلة و التحدي الحقيقي هو جعله جسرا بين العدالة الرقمية والإنصاف، وأن الدرس الأهم هو عندما تصمم أنظمة التقييم لخدمة البشر وليس العكس هنا ستتحول من مصدر غضب إلى محرك إلهام.
إجادة : هل يمكن أن يكون بداية أم نهاية
إن الأنظمة الإلكترونية تحتاج إلى مراجعة دائمة كي لا تتحول إلى وحوش بيروقراطية ولكي تكون رسالة أمل بأن التغيير ممكن إذا عرضت الحلول بمنطق وعمق ولنتذكر أن التكنولوجيا دائما يجب أن تكمل الطبيعة البشرية لا أن تلغيها.
فالتكنولوجيا ليست عدوة ولا صديقة إنها مرآة تعكس قيم من يصممها فهل نختار أن تكون هذه المرآة عادلة؟