أشجار جدي

عصماء بنت محمد الكحالية
يبدو كل شيء مختلفا بعد رحيل جدي. بيوتنا، جمعتنا، زياراتنا، ضحكتنا، أصواتنا، الأشجار التي طالما أعطيتها أغلب وقتك وأنت تحرثها وتسقيها وتهتم بها وكانت خضراء مبهجة، الآن ومن بعدك تساقط أوراقها وتغير لونها أصبحت خضراء باهتة وتحول لونها إلى البني القاتم. أتمنى أننا في فيلم، ننتظر كلمة “فركش” من المخرج أو ربما كابوس سنصحو منه دون وجع فراقك جدي، ينقبض قلبي كلما دخلت بيتك، أو كلما أرى مكانك فارغاً، أبحث عنك أبحث عن ضحكاتك التي كنت بها أستعيد سعادتي، أفتقد حتى ضحكاتك التي كنت بها تمازح صغيراً وكبيراً، أفتقد غضبك من إزعاجنا عندما نتجمع حولك ، أفتقد حتى صوتك حينا تناديني كي أحضر لك الماء.
جدي، جدران بيتك عابسة، كل أشجارك أصبحت آيلة إلى السقوط، أتذكر منذ خمس سنوات عندما رأيت أشجارك التي حرثتها بنفسك وكانت خضراء وبها حياة، منذ رحيلك تشاءمت الأشجار والمواشي التي كنت تعتني بها؛ حينها شعرت أنها بداية النهاية. عندما رأيتك على سرير المشفى لم أجدك ذات الجد، كان جسدك هزيلاً شاحباً، كأن الحياة تُنتزع منك رويداً رويداً، برزت عظامك، بل اكتسب لوناً غريباً، تظهر منه عروقك، وعيناك حدقت فيِّ طويلاً قبل أن تعرفني، قبلت رأسك ولا أعلم حينها أنها المرة الأخيرة التي سوف أتحدث معك فيها.
وقتها كانت في أيام احتضارك حيث لم يعد الوعي كالسابق، رأيتك قوياً شامخاً عزيزاً لا تسقطك أي حاجة، لم أرك من قبل ضعيفاً، هشاً، حتى في مرضك لم أرك ضعيفاً. كنت خجولاً، رقيقاً، حسّاساً، ترفض التعبير عن احتياجاتك لأي مخلوق طيلة الواحد والعشرون عاماً من عمري الذي عشتها بجانبك، ولأنك رجل عظيم وجداً صالح. لم ينسك أحفادك جميعهم رغم ملاهي الدنيا.
جدي العزيز نم قرير العين.. طاب بك المرقد.