محيط الفقه: معاني الحوقلة وسورة الإخلاص «الجزء الثاني»
وداد بنت عبدالله الجابرية
لنغوص في ذلك العمق الوفير لنأخذ منه تلك اللآلئ الثمينة التي لا تُقدر بثمن، فمن فهم معناها عمل بها، ومن لم يفهمها جهلها، لنعيش مع أحداث تلك القصة القصيرة.
دخلت امرأة بيت صديقتها، لتمكث معها بعض دقائق لتتعلم درسًا مهمًا في حياتها، تقدم أطفال هذه المرأة، وبروحهم البريئة طلبوا من والدتهم أن تعمل على ما كانوا يعملونه. طلب الأطفال من والدتهم بناء منزل في الجنة، والحصول على كنز الجنة، وأخذ شربة من اليد الشريفة يد رسول الأمة، تجمع الأطفال حول والدتهم في حلقة وبدأوا يقرأون سورة الإخلاص 10 مرات:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
_[سورة الإخلاص: 1 إلى 4]_
ثم بدأوا في ذكر الحوقلة: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” . لتنتهي الحلقة بالصلاة على النبي: “اللهم صلّ على سيدنا محمد” . كانت المرأة مندهشة من تربية صديقتها وكيف أن أطفالها هم من رغبوا في صنع هذا العمل الذي لا يُحصى من الثواب والأجر، هذا العمل البسيط الذي جهله الكبير قبل الصغير، انتهت تلك الحلقة وذهب كل واحد منهم لتكملة لعبته.
فإن الله تعالى حينما جعل من تكرار الحوقلة، جعلها تغير من حالك إلى حال آخر، وجعلها إحدى كنوز الجنة. فالحوقلة كنز من كنوز الجنة، وهي تبرئة النفس من الشيء المرغوب إلى خالقها. فحينما نقول “لا حول ولا قوة” ليس بيدي حول ولا قوة لأخذ هذا الشيء، “إلا بالله العلي العظيم”، هنا وكلت الأمر لله، هنا جنى هذا العبد أمرين: الأول كنز، والثاني سلم أمره لله.
لنفهم عمق تلك القصة: الفتاة التي تعمل في إحدى المؤسسات، رغم أنها مستمرة في هذا العمل، إلا أن الوظائف تنزل عليها كالمطر وتأتيها من كل جانب، حينما سُئلت عن السبب قالت: قبل أن أخلد إلى النوم أكرر الحوقلة إلى أن أغفو، والله تعالى أكرمها بأحسن الوظائف.
أما عن اللؤلؤة الثانية، فهي من أجمل اللآلئ التي جعلها الله تعالى بأن تكون ثلث القرآن وبناء منزل في الجنة، فمن داوم على تلاوة سورة الإخلاص ثلاث مرات كُتب له بأنه ختم ثلث القرآن، والثلث يبدأ من:
*سورة الفاتحة إلى سورة التوبة الآية 99
*من سورة التوبة الآية 100 إلى سورة الشعراء الآية 101
*من سورة الشعراء الآية 102 إلى سورة الناس
لنأخذ اللؤلؤة المكنونة في سورة الإخلاص: حينما ينظر العبد إلى البيوت الفخمة والقصور يحدث نفسه “ليت لي مثلهم”، وهو يعي بأن من قرأ سورة الإخلاص بُني له منزل وقيل قصرًا في الجنة. فما أجمل بيوت وقصور وخيام الجنة، فالخيام من لؤلؤ، فما بالكم بقصورها وبيوتها وأنهارها وأشجارها؟ فالجنة نعيمها لا ينفد، فأعطِ من وقتك لربك ليكرمك ربك بعطاء لم تحلم به يومًا.
قبل الختام سأخبرك سرًا آخر: قيل بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلًا يقول: “اللهم إني أشهدك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد” فقال لهم: إنه ذكر اسم الله الأعظم الذي إذا سُئل أعطى.
لأختم سلسلتي بهاتين اللؤلؤتين: من عمل بهما جنى خيرًا وفيرًا، ومن جهلها خسر الجنة وما فيها. الدنيا زائلة، فاعمل لأخرتك قبل أن تقول وأنت في حسرة: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}
[سورة الفجر: 24].