خميس البلوشي
في فضاء الفكر البشري، تتجلى التساؤلات الكبرى حول الكون والوجود كمرآة تعكس حب الإنسان الأبدي للمعرفة. يُعد البرهان الكوزمولوجي إحدى تلك المحاولات الفلسفية العميقة التي تسعى لفهم أصل الكون، حيث يشير إلى أن لكل معلول سببا، ولكل حركة محركا، مما يدفع الفكر البشري إلى البحث عن مسبب أولي لهذا الوجود العظيم.
هذه الفكرة الكونية لا تقف عند حدود التأمل الفلسفي، بل يمكن أن نجد لها انعكاسا عميقا في ميادين ومجالات شتى، ومنها ميدان التربية والتعليم ومجالاته، حيث تستحضر الوسائل التعليمية كوسيلة محورية لتحفيز العقول واستنطاق الفكر. فكما أن البرهان الكوزمولوجي يعيدنا إلى المبدأ الأول، فإن استخدام الوسائل التعليمية يعيدنا إلى جوهر التعلم، حيث يُعد الطالب مركز العملية التعليمية.
فالوسائل التعليمية كبذرةٍ أولى، تماما كما يُبنى البرهان الكوزمولوجي على سلسلة من الأسباب والنتائج، فإن الوسائل التعليمية تعد نقطة البداية التي تفتح أفق الطالب نحو استيعاب المفاهيم. كالسبورة الذكية، على سبيل المثال، ليست مجرد أداة حديثة، بل هي انعكاس لعقل يفكر بطريقة أكثر شمولية وربطا بين الماضي والمستقبل، تماما كما يربط البرهان بين الوجود والموجد.
حيث يشير البرهان الكوزمولوجي إلى وجود غاية للكون، وهذه الغاية تكشف الحكمة من وجوده. كذلك، فإن الوسائل التعليمية الناجحة ليست مجرد أدوات تستخدم في قاعات الدرس، بل هي وسيلة ذات هدف وغاية، تسخر لإثارة التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلبة. فمن خلال استخدام التقنيات، كالألعاب التفاعلية أو الواقع الافتراضي، يمكن للطلبة أن يتأملوا الظواهر بشكل يعيدهم إلى جوهر المعرفة.
ومن حيث الربط بين الفكر والتطبيق، فإن البرهان الكوزمولوجي يقنع العقول بأن هناك محركا أوليا وراء هذا الوجود، فإن توظيف الوسائل التعليمية يقنع الطلبة بأن هناك منطقا وغاية وراء كل نشاط تعليمي. وهنا يتحول الدرس إلى رحلة فلسفية، تتقاطع فيها العلوم مع الفنون، والتكنولوجيا مع الأخلاق، ليصبح التعليم وسيلة لإيقاظ العقل والروح على السواء.
ويبقى البرهان الكوزمولوجي والوسائل التعليمية متشابهان في جوهرهما: كلاهما يسعى لفهم الغاية واكتشاف المعنى. فإذا كان البرهان الكوزمولوجي يجيب عن سؤال: لماذا وجد الكون؟، فإن الوسائل التعليمية تجيب عن سؤال: كيف نوجد معرفة تغير العقول؟.
