دور المسرح في الوعي المجتمعي وتثقيف المجتمع برسائل توعوية هادفة
هلال بن عبدالله الفجري
المسرح هو فن من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، وهو منبر ثقافي وتربوي يساهم في تشكيل وعي المجتمعات وتثقيف الأفراد من خلال مزيج من النصوص المؤثرة العروض البصرية والموسيقى يستطيع المسرح أن يُعالج قضايا اجتماعية، سياسية وثقافية، ويوصل رسائل توعوية تستهدف جميع الأعمار.
المسرح يُعد أداة فعالة في توجيه المجتمع نحو القيم الإيجابية، مثل التسامح المساواة والتعاون من خلال شخصيات وأحداث درامية قريبة من الواقع، يُشجع الجمهور على التفكير والتأمل.
تتناول المسرحيات قضايا حساسة، مثل؛ الفقر، التمييز، العنف، والفساد بأسلوب يمزج بين الترفيه والتعليم، وعرض القضايا في إطار درامي يجعلها أكثر تأثيراً وسهولة للفهم؛ مما يُحفّز الجمهور على البحث عن حلول، فالمسرح يُقدم عروضاً تُناسب كل فئة عمرية، والمسرحيات الكوميدية قد تجذب الأطفال، بينما الدراما الاجتماعية والسياسية تُثير اهتمام البالغين. هذا التفاعل بين الأجيال يجعل المسرح وسيلة لنقل القيم والمعرفة من جيل إلى آخر.
ومن خلال تقديم أعمال كلاسيكية وحديثة يُعرّف المسرح الجمهور بأهم الأدباء والكتاب العالميين والمحليين، والنصوص الأدبية تُعمّق فهم الجمهور للغات والثقافات المختلفة.
فالمسرحيات التي تتناول قضايا معقدة تُحفّز المشاهدين على التفكير والتحليل؛ مما يُساهم في بناء مجتمعات واعية، أما العروض المسرحية المُوجهة للأطفال فهي تُساعدهم في تعلم القيم الأخلاقية والاجتماعية بطرق ممتعة. كما أنّ المسرحيات التاريخية تُعزز فهمهم لماضيهم وثقافتهم.
يُعتبر “شكسبير” من أعظم الكتاب المسرحيين في التاريخ. تناولت أعماله قضايا إنسانية واجتماعية، وما زالت تُلهم الأجيال. فعلى سبيل المثال؛ مسرحية (هاملت) تُبرز صراعات النفس البشرية، بينما (روميو وجولييت) تسلط الضوء على الحب والصراعات الاجتماعية.
عالج أيضاً “تشيخوف” في أعماله مثل (بستان الكرز) و(الخال فانيا) التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في روسيا القيصرية، مسلطاً الضوء على صراع الطبقات والفقر.
كما أسّس “بوال” مسرح المضطهدين، وهو حركة مسرحية تهدف إلى تمكين الجماهير المهمشة من التعبير عن قضاياهم. كان هذا المسرح أداة لتثقيف المجتمعات ودفعها للتغيير الاجتماعي.
أيضاً لا ننسى “بريشت”، قدم أسلوب المسرح الملحمي الذي يُشرك الجمهور في التفكير بدلاً من التماهي مع الشخصيات. تُعالج مسرحياته مثل “الأم شجاعة وأبناؤها” القضايا الأخلاقية والاجتماعية المعقدة.
ومثال آخر، مسرحية (الأرض) التي أنتجتها جمهورية مصر العربية، تناولت قضايا الفلاحين وحقوقهم في الأرض. ومسرحية (حلم ليلة صيف) -إنجلترا- رسائلها عن الحب والتسامح تصلح لكل زمان. ومسرح الأطفال (بيتر بان) -أمريكا- تُعلم الأطفال قيم الشجاعة والمغامرة، ومسرحية (البخيل) -فرنسا- نقدت التعلق المفرط بالمال وأثره على العلاقات الإنسانية.
هكذا نرى أن المسرح ليس مجرد، بل هو منصة للتمثيل، بل هو وسيلة للتعليم والتغيير؛ يُثري الوجدان ويُعمّق الوعي. إنه مساحة تُنير فيها القضايا المهملة ويُحتفى فيها بالإنسانية في أبهى صورها. يقول شكسبير (كل العالم مسرح)؛ وهذا التعبير يُلخص الدور العظيم للمسرح في تقديم دروس الحياة وإحياء قيم التسامح والحب والعدل.