الأغنياء بعضهم أعداء…
حمد بن سيف الحمراشدي
لم أسافر إلى أي بلد إلا وأتعرف على الكثير من المشاهدات والمواقف التي تضيف إلى رصيد معرفتي بثقافات الشعوب ومعرفة الكثير عن حياتهم وكيف هم يفكرون ويقضون يومهم في فواصل عدة تختلف من بيئة لأخرى وفي الرحلة الأخيرة أخذت منهج السير على الأقدام وأن أتعمق في طرقات ضيقة بين المنازل وأعيش اللحظة مع كبار السن وهم يجلسون على قارعة الطريق أمام منازلهم المتواضعة جدا وكأن حالهم هذا مفروض عليهم أن يعيشوا في أدنى مستوى من العيش وحالهم هذا جيل بعد جيل والإبتسامة تغلب على تلك الوجوه النحيلة وهي تكابر ما عليه حالها، وما أن ادنو من أحدهم كذلك المسن الذي جلس على باب منزله المبني من ورق الأشجار وشيئا من جدار الطين على حطب كالأعمدة وكأنها تمثل الحراسات الحديدية عند منازل الأغنياء وباب منزله عبارة عن صف مرصوص من أعواد الأشجار وربطت بعضها ببعض ومثلت بتراصها بابا يستند عليه ذلك الرجل المسن ويرتاح بأرتياح شديد ويبدو أن بين الباب من الأعواد شيء من الفتحات تسمح برؤوية المارة من خلالها وكأنها بابا من فولاذ أو من زجاج لبيت غني يمكن من خلاله أن يرى أهل البيت من يمرون بالخارج ولا يستطيع أن يرى المارة من بالداخل.
أقتربت منه حيث رفع يمنيه محاولا إلقاء التحية ويدعوني للإقتراب منه.
رائحة الطعام تأتي من داخل المنزل الصغير المتواضع المبني من أوراق وأعواد الأشجار تفتح شهية الأكل وشي من الرذاذ يتساقط خلسة وأطفال هناك يسترقون السمع والنظر وكأن الجالس مع الرجل المسن شبح أتى من حيث لايعلمون أو رسول غني جاء ليأخذ الشيء الكثير ويعطي الشئ القليل
جلست ومد يده مصافحا وأجلسني في البقعة التى لا يصلها ماء المطر أو تساقط الرذاذ فرفضت محاولا الجلوس بقربه بقدر الإمكان ونادى زوجه وطلب شيء ما وما هي الإ لحظات ودخلنا سويا المنزل وجلسنا على مقاعد من خشب بها مساند خلفية يكاد تشعر بوخز من أعواد بها ويبدو أنها لم تنق من البقايا فصارت كالإبر المقطع فهي ليست كتلك المقاعد التى يجلس عليها الأثرياء الناعمة والمبطنة بشي من الأغطية التى لا تشعر بها وانت تجلس عليها من نعومتها إلا ان الرجل المسن يراها من أفضل ما يجلس عليه حين قال لي هذه المقاعد صنعتها بنفسي وهي مريحة ومع كثرة الأمطار تساعدني وزوجتي للجلوس عليها حينما يمتلئ البيت بالماء عند الأمطار الغزيرة،
َ وكوبان من الشاي الأخضر قد وصلا وهنا نحن نتحدث والمطر يتوقف حينا ويزيد حينا آخر
والحديث معه طويل فقد أخذني في سرد تفصيل الحياة التي مر بها وكيف عاش وتبادلت معه الحديث في عدة فواصل من الحياة وكان آخرها ان سرني بمقولة صادقة حين قال الأغنياء هم دوما أعداءنا.
لم أتعجب من مقولته ولكن حين طلبت أن يشرح لي أسباب ذلك قال ألايكفيك القول أنهم كالأفعى تأكل ما تلقاه ولا تشبع فهنا ياضيفي الكريم الغني يفرض علينا السعر في ما نعمل من أجل لقمة العيش وينتقي ما يشاء ويترك لنا لنبيعه مرة أخرى الأقل جودة وهكذا ليبيقنا فقراء من أرضنا وتعبنا وهكذا هم دوما أعداءنا…
تأثرت بقوله ودار بخلدي ما يفعله الأغنياء الأعداء بالفقراء البسطاء..
خرجت عنه وهو يلوح لي بيده ويشرح لي كيف اتابع سيري بعيدا عن بيوت الأغنياء.