السليتمنال في العملية التعليمية
خميس البلوشي
الرسائل اللاشعورية في العملية التعليمية: “السليتمنال، همسٌ لا تلتقطه الآذان، وتدركه العقول”، في عالم العلم والمعرفة، يبدو أن الأساليب التقليدية لم تعد كافية لتلبية حاجات الجيل الجديد، الذي يُحاصَر بضجيج التكنولوجيا وتيارات المعلومات اللامحدودة. ومع كل هذا الضجيج، يقف التعليم محاولاً إيجاد وسيلة تستدعي الانتباه وتلمس عقول أبناءنا الطلبة دون إرغام أو صخب. من هنا يأتي دور الرسائل اللاشعورية أو ما يُعرف بـ”السليتمنال”، تلك الهمسات الخفية التي تتغلغل إلى أعماق الوعي.
فما الرسالة اللاشعورية إلا فكرة تُزرع برفق في تربة العقل، ربما لا يعيها الطالب مباشرة، ولكنها تنبت داخله على مهل، كزهرة برية تتفتح في أفقه المعرفي. هذه الرسائل قد تكون صورة تحمل معنىً خفياً، أو كلمات تتردد في خلفية الصوتيات، أو حتى إشارات بصرية ترتسم دون وعي. ويمتد تأثير هذه الرسائل ليصبح جزءاً من معتقداته وسلوكياته، حتى أن بعضها قد يغير مسارات قراراته، أو يدفعه لمزيد من التركيز والانتباه.
إن إدخال الرسائل اللاشعورية في التعليم يعتبر خطوة جريئة، تتطلب مهارة في توجيه تلك الرسائل بما يخدم العملية التعليمية، ويعزز من دوافع الطالب في متابعة أهدافه. على سبيل المثال، يمكن للرسائل اللاشعورية أن تكون محفّزة على التعلم، كأن تتضمن عبارات تشجيعية متكررة، أو كلمات مثل “أنت قادر”، “التحدي ممتع”، “العلم مغامرة”. وحين تتكرر مثل هذه العبارات على نحو غير واعٍ في عقل الطالب، تنمو داخله بذور التحفيز والإيجابية.
كما أن الرسائل اللاشعورية قد تساعد في تخفيف التوتر والقلق لدى الطلبة، فالدماغ قد يستجيب لا شعورياً لرسائل الطمأنينة، مما يتيح بيئة تعليمية مريحة. وبتكرار التعرض لها، تتأصل هذه الرسائل في اللاوعي، وتصبح جزءاً من بناء الطالب النفسي والمعرفي.
التعليم لا يتعلق بالمعلومات فقط؛ بل هو منصة لغرس القيم والمبادئ في نفوس الأجيال. ومن هنا، يمكن للرسائل اللاشعورية أن تصبح وسيلة فعّالة في غرس القيم الإيجابية، كالاحترام، والعمل الجماعي، والنزاهة. عبر إدراج هذه الرسائل في الوسائط التعليمية، يتلقى الطلبة هذه القيَم بصمت، لكن أثرها قد يكون بالغ العمق، إذ تبقى في عقله الباطن كجزء من كيانه وقيمه.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يجب أن تكون هذه الرسائل جزءاً من المنهج؟ فالرسائل اللاشعورية تمسّ مناطق حساسة من الوعي الإنساني، وقد يعتبر البعض أنها نوع من التحكم بالأفكار. لذا، لا بد من استخدام هذا الأسلوب بحذر، وضمن إطار أخلاقي يحترم حقوق أبنائنا الطلبة في وعيهم الكامل بما يتعلمونه، وخاصة عند استخدام التقنيات الحديثة كمنصات الذكاء الاصطناعي، والذي يجب أن نقف وقفة تأمُّل فيما يعرض لنا من رسائل لاشعورية.
إن تأثير الرسائل اللاشعورية في التعليم هو مثل البحر الهادئ، لا يرى إلا سطحه، لكن في أعماقه طاقة هائلة تُحدث الأثر وتغيّر الاتجاه. ويبقى هذا الأسلوب أداةً بيد المربّي، إمّا أن يستغلها بحكمة ووعي، أو أن يتركها جانباً ليبحث عن وسائل جديدة تحفّز طلابه وتغرس فيهم حبّ المعرفة.