جبر الخواطر
إلهام السيابية
تساقطت قطرات الماء المنسابة على وجه حنان، وكأنها تبرد عليها و تهدئ من روعها، فلم يكن سهلا عليها أن تتظاهر باللامبالاة أمام عمتها-أم خطيبها – التي طلبت منها ملاقاتها في مطعم قريب لأمر خاص ،كفكفت دموعها بسرعه ونظرت لانعكاس صورتها في المرآة، وهي تقول:
( اللهم اجبر خاطري و عوضني خيرا منه) .
وخرجت من حمام المطعم، وهي تتوجه لأم خطيبها قائله : أعتذر يا عمه ساضطر للذهاب وهذا…، سحبت خاتم خطبتها من يدها، وهي تقول : أرجو للمهندس أحمد كل الخير مع فتاة أخرى أصغر مني وأجمل ، أنا راضية بأمر الله يعوضني الله خيرا.
خجلت الأم من موقف حنان، وهي تقول لها : أعذريني يا ابنتي أنا أم وأريد لابني…،
قاطعتها حنان:لا تكملي يا عمه أحترم رغبتك ولله الأمر من قبل ومن بعد.
خرجت حنان من ذلك المطعم بأسرع مايمكنها، لكي لا تضعف وتخور قواها أمام عمتها التي لا تريدها زوجة لابنها، لأنها قد تعدت الثالثة والثلاثين من عمرها ، لقد أفنت شبابها وهي تراعي والديها، وتهتم بهما فلم تكن تريد أن يهتم بهما أحد آخر غيرها، فكانت حنونة القلب وهادئة الطباع وفوق كل ذلك بها جاذبية لا تستطيع أن تتعداها بسهولة بها قبول غريب للناس تدخل القلوب بسهولة ويسر.
نظر جمال لأخته التي ابتعدت عن الجميع بعد فسخ خطبتها، ولا ترد على مكالماتهم ولا رسائلهم فازداد خوفهم عليها فأسرع جمال لرؤيتها والاطمئنان عليها إلا أنه وجدها كما عهدها على سجادتها ، تكثر الاستغفار و قراءة القرآن بشرته أنها بدأت في حفظه وتدبر آياته، اهتمامها بوالديها لم يكن يترك لها وقتا للحفظ ولا المراجعة ولا للتدبر، فاعتذرت له لعدم الرد على رسائلهم؛ لأن الهاتف يشغلها عن ذلك، وفي مجالس الذكر يمنع استخدام الهاتف المحمول.
ابتسم جمال وهو يستمع لأخته التي تخبره بأن هناك من يريد أن يستأجر البيت إن كنتم بحاجه للمال إلا أنه هز رأسه قائلا : الحمد لله لا حاجة لنا لذلك، وكاد أن يخبرها أن البيت لها (وصية من أبيها ) ولكي لا يطمع فيها أحد لهذا السبب تركوا الأمر سرا بينهم فجلست فيه بعد وفاة والديها وقد رفضت الخروج منه فاحترم الجميع رغبتها دون أعلامها بأنه لها في الأصل .
جئت أودعك فأنا ذاهب للعمرة
هنا التفتت له بلهفة، وهي تقول : أأستطيع الذهاب معك
نظر بعينيها المحبة ورد عليها : بكل سرور يسعدني أن تكوني رفيقتي .
كانت تلك خطة من إخوانها ليخرجوها من محنتها فهي قليلة الطلبات وهادئة الطباع لا تتحدث كثيرا عما تريد اتفقوا أن يجهزوا لها رحلة إيمانية لبيت الله لأداء مناسك العمرة، منها تغيير نفسيتها ومنها أداء عمرة لوالديهما وبالفعل نجحوا في إخراجها وها هي تطوف بالكعبة المشرفة، انتهوا من مناسك العمره وتوقفت حنان تودع الكعبة، وهي ترفع يديها تدعو الله في طواف الوداع الأخير، وهي تطلب وتلح في الطلب بأن يجبر خاطرها، فما فعلته مع أبويها كان خالصا لله وطاعة له ببرها لهما ،ولم تتحمل قدميها الوقوف عندما تذكرت دعوات أمها لها براحة البال وكثرة الرزق والعيال، وهي تُأمن وتقول لها : زيديني .
ما أصعب الفراق وما ألذ لحظات الذكريات الجميلة التي تخفف عن كاهلنا أعباء الحياة.
نسيت كل الهموم وكأنها رمت كل شيء خلفها فلقد اشتكت لله وكفى لم يعد يهمها شيء .
بعد عودتها من أداء عمرتها، فاجأها أخوها جمال بأن هناك خطيب متقدم لها، شاب في عمرها، مهندس متواضع،خلوق، ترددت كثيرا وخافت من خوض تجربة جديدة،،اعترضت وقالت : لا أريد.
(لم نتعود أن نتخذ قراراتنا بهذه السهولة) أجابها جمال،
فلما لا تتركي الأمر لله استخيري ربك وتوكلي عليه لك كل الوقت الذي تريدينه ،أنا أعرف الشاب، وهو من خيرة الشباب الذين عرفتهم .
قاطعته قائلة :
لعله يريد الذرية وأنا قد بلغت من العمر ..
خنقتها الكلمات إلا أن جمال أجابها بهدوء :
-أنت من علمتنا أن نثق بالله.
أجابته بخجل:
-حسنا، يا أخي سأستخير أولا وييسر الله الأمر.
لم تطيل كثيرا في الاستخارة، فقد أحست بالراحة والهدوء بعد كل صلاة التجأت فيها لله وتمت الخطبة ثم الزواج وها هي قد أتمت مع زوجها السنة الثانية ولكنها لم تحمل فقلقت كثيرا ولكن زوجها كان دائما يطمنها ويقول لها: لا يوجد سبب واضح لتأخر الحمل ولكن لعله خير .
بالفعل كان خير لهما فقد رزقهما الله بعد ثلاث سنوات من الصبر بثلاثة توائم، فكانت تكثر الحمد وتردد الحمد لله الذي جبر بخاطري.