خلف بن سليمان البحري
في بيئة العمل المتطورة التي نشهدها اليوم، حيث تتسارع فيها وتيرة التغيير وتتنامى فيها التحديات، تبرز ثقافة العطاء كعنصر حيوي يسهم في تعزيز النمو والتفوق،فالعطاء لا يُعتبر مجرد عمل يُقدَّم، بل فلسفة تتغلغل في نسيج الإدارة وتُشكل طريقة التعامل والتفاعل بين جميع أفراد الفريق،.
تعني ثقافة العطاء في بيئة الأعمال تلك الروح التي تدفع الأفراد إلى تقديم الدعم والمساعدة للآخرين دون انتظار مقابل، إنها تعبير عن الالتزام المشترك بتحقيق الأهداف وتطوير العلاقات الإنسانية في بيئة العمل.
العطاء في هذا السياق، يتخذ أشكالاً متعددة، مثل تقديم النصيحة، والمشاركة في المعرفة، دعم الزملاء في مواجهة التحديات، أو حتى التعبير عن التقدير للجهود المبذولة،تجلب ثقافة العطاء العديد من الفوائد لبيئة العمل، فتعزيز التعاون يصبح واقعًا حين يكون العطاء جزءًا من ثقافة المؤسسة في هذا الإطار، ينفتح الأفراد للعمل معاً، مما يقلل التنافس السلبي بينهم ويُعزز من فعالية الأداء.
إضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يشعرون بأنهم مُقدَّرون ويُعزَّزون من خلال عطائهم يميلون إلى تقديم أفضل ما لديهم، مما ينعكس ذلك بشكل إيجابي على أداء الفريق هنا، يمكننا القول إن العطاء يُساعد على خلق بيئة من الثقة والاحترام المتبادل؛ إذ إن الشعور بتلقي الدعم يعزز من استعداد الأفراد لتقديم المساعدة للآخرين، ونتيجة لذلك، يتحقق ترابط وثيق غير مسبوق بين الأفراد، حيث يدرك الجميع أن نجاحهم مرتبط بنجاح الآخرين.
تسهم ثقافة العطاء أيضاً في تعزيز الإبداع، إذ تسمح بيئة العمل التي تشجع على العطاء للأفراد بالتفكير بحرية وتجربة أفكار جديدة عدم الخوف من الفشل يشجع على الابتكار، مما يؤدي إلى حلول جديدة ومبتكرة للتحديات التي تواجهها المؤسسات، وبالتالي، فإن تعزيز العطاء يُعتبر وسيلة فعالة لبناء الولاء والانتماء، فحين يُقدِّر الأفراد جهودهم وتضحياتهم، يشعرون بأنهم جزء مهم من المؤسسة هذا الشعور يُعزز من ولائهم، مما يحفزهم على الاستمرار في تقديم أفضل ما لديهم.
تحقيق ثقافة العطاء يتطلب جهوداً واعية من الإدارة، حيث يجب أن يبدأ العطاء من أعلى الهرم الإداري،فالقادة الذين يظهرون روح العطاء ويُبرزونه في سلوكياتهم اليومية يُلهمون الآخرين لاتباع نفس النهج، ولذلك فإن تقدير المساهمات والجهود يُعزز من شعور الأفراد بقيمتهم، بحيث يمكن تحقيق ذلك من خلال الثناء العلني والذي بدوره يُظهر معنى للامتنان.
علاوة على ذلك، يجب توفير الفرص للأفراد للعمل معاً، سواء من خلال العمل الجماعي أو الملتقيات العلمية؛ حيث يساعد ذلك على تعزيز العلاقات بينهم ويُشجع على تبادل المعرفة والدعم،إن الاستثمار في تطوير مهارات الأفراد يُعزز من قدرتهم على تقديم العطاء و التدريب على المهارات الشخصية، مثل التواصل والتعاون، يُسهم بدوره في بناء بيئة إيجابية تُشجع على العطاء، كما أن تشجيع الحوار المفتوح والتواصل الفعّال يُساهم في تعزيز ثقافة العطاء، كما يمكن استخدام الاجتماعات الدورية أو استغلال تقنبة المنصات الإلكترونية كوسيلة لتبادل الأفكار والدعم، مما يُعزز من التواصل الفعّال ويُسهم في بناء ثقافة العطاء.
في الختام، يُعتبر تعزيز ثقافة العطاء في إدارة المؤسسات الحديثة ضرورة ملحة لتجاوز التحديات وتحقيق التفوق، إذ لا يكفي أن تكون المؤسسات الرائدة في مجالها، بل يجب أن تُعزز من تفاعل أفرادها وتعزيز شعور الانتماء بينهم من خلال ذلك، يتحقق النمو المستدام والتفوق، ويصبح كل إنجاز شهادة على قوة العمل الجماعي وعطاء القلوب، إن العطاء كقيم إنسانية نبيلة، يتحول إلى محرك رئيسي يعزز من مسيرة النجاح في عالم الأعمال.