2024
Adsense
مقالات صحفية

قيمُ المجتمع..وحدودُ المشرع

عبدالحميد بن حميد الجامعي

تبقى قيم الأمم هي أغلى ما تملك، لا سيما لو أثبت العلم أنها قيم إنسانية راقية، تحافظ على كينونة الإنسان وتمنعه من الانحطاط الى درجة البهيمية، ويبقى على الجهة التشريعية واجبُ الحفاظ عليها، وتسييجُها..

يُتداول اليوم خبرُ تخفيض الضريبة المضافة (الانتقائية) على مشتقات الكحول على سبيلين؛ سرعةِ التغيير، وهو السبيل الأكثر نقمة من قبل العامة والخاصة، لأنه يُظهِرُ شيئا من التخبط، وربما يَشي بخضوع القرارات العامة المبنية على دراسات علمية رصينة لبعض المصالح والأهوية إن وقفت عقبة في وجهها، في أي مرحلة كانت؛ تخطيطية، أو تنفيذية، وهو تهديد للمجتمعات والمدنية عموما، وتغليب للمصلحة الفئوية على المصلحة العامة، وإيذان بنشوء اللوبيات وتغلغلها، وهو لا شك خطر على الأمن والسلم المجتمعي ولحمة الوطن على المدى البعيد، والسبيلِ الثاني نسبة التخفيض للنصف، وكلا السبيلين حقيق بالنظر والتفكر..

غير أنَّ السبيلَ الأعمقَ والأبعدَ أثرا هو ذلك الذي يُعنى بالقيم العمانية، التي تستمدها البيئة العمانية من دينها وثقافتها الإسلامية الزاكية، ومن موروثها وعاداتها التي أثبتت التجربة عُلوَّ كعبها، وتقدمَها على غيرها من اجتهادات بشرية، لم تبارح الفشل في كثير من تجاربها، لأن في مجملها تخضع للأهوية والرغبات، وتكون تلك لوازمَ إذا ما صادفت صلاحياتٍ كبيرةً لأصحابها، يُخضِعون المجتمع لقراراتهم الارتجالية، ليعيشَ أتون شرها حتى يتم تغييرها من جديد في واقع بعيد، بعد اكتشاف متأخر لضرها، وليت الاكتشاف يكون ذاتيا، بل هو مشفوع متبوع لاكتشاف الآخر، خطوةً بخطوة، وفِي تدرج منع التدخين من الرحلات الجوية، من كامل الطائرة، الى الرحلات الداخلية فقط، الى منعه من جميع الرحلات، دليل وبينة، فقد تبعت الأمة العربية والإسلامية ذلكم التدرج ذراعا بذراع، ولكن في ذيل القائمة، لتعلن للاسف أنها عالة حقيقية على العقل الانساني، وأنها لا تستحق تلك القيم الشامخة، التي يرجع إليها الغرب المادي، وترجع هي من وراءه إليها، وليس آخرَها المصارفُ والمعاملات الاقتصادية الاسلامية..

رسالتي للإخوة في مواطن القرار، والمشرع أين كان، أن لديكم قيما ذاتية، فأول الإجراء هو الحفاظ عليها، فإن كان لكم سند لحظي، وأمر طارئ حقيقي، بسببٍ من العولمة وظلالها، تحتجون به أمام الله وأمام الناس، فلكم في المنظومة القيمية مخرج ”  الإ من اضطر وقلبه مطمئن بالإيمان” فمن اضطر غير باغ ولا عاد”، على أن يتم مقاومتُه، وقياسُ ضره من نفعه، ونحن نكاد نجزم أنكم لما تقوموا بشيء بعد، وأنما جئتم تسليما وتقليدا أعمى، دون الرجوع لقيمكم ولا الاحتجاج بها، ولا المدافعة من خلال الحوار مع الآخر وإبداء وجهة نظركم، لعله يكون من المهتدين، مع كون العلم والدراسات والبحوث في مسألة الخمر تؤيدكم..

أختم مقالي هذا بما جاء في توجيه جلالته ٨ فبراير سنة ١٩٧٢ لوزير الداخلية والعدل يومها كما يتداول في وسائل التواصل المختلفة في الاستفادة من الخمور والكحول وفرض الضريبة عليها بقوله ” لا يصح الاستعانة من حرام”.. وربما لبعد التاريخ قد تحولت قناعات، ولكني ملتزم بما نصت عليه الرسالة، وأستحضر هنا قوله صلى الله عليه وسلم ” أيما جسم نبت من سحت فالنار أولى به”، فلا تدخلوا الحرام في معاشاتكم ومعاشاتنا ورواتبكم ورواتبنا وطعام أولادكم وأولادنا -ولو بقليل غير ظاهر-، إلا أن تتحملوها أنتم عن باقي العمانيين، فيكم وفِي دنياكم وأخراكم، وهو ما نشفق به عليكم حبا لكم، وتذكروا قوله سبحانه ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”… فهناك بُعدٌ خفي، قد تكفلت المرجعية الكبرى للكون به، ونرى صدق ذالكم المرجع -تعالى وتقدس-، ونتائجَ ذلكم البُعد، بما لا تسعفنا أدواتنا البشرية الفطرية والمخترعة على تفسيره، كذلك أستدعي من جانب آخر قوله سبحانه: ” وإن جاؤوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم”، فإنه منع إخراجهم من ديارهم، فكيف هو بتأسيرهم، والذي هو أشد نكاية، وأبعد شناعة في الجرم، فالخمر ممنوعة أصلا، فكيف هو بيعها، ورفع الضريبة عليها، ثم عدها من موارد الدولة عبر قطاع السياحة، فهذا من ذاك في النكاية والشناعة، والجواب عليه في قوله في آخر الآية ” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض” أظهرت مدى قبحه بانفصام أتباعه….هذا لمن آمن بالله والكتاب والنبيين، أما غيرهم ممن يطلع على مقالي هذا، فليعتمد أحدهم على الدراسات العلمية في بحث الخمر وضره وأثره المادي، وهي ميسرة ومتوفرة، فدراسات منظمة الصحة العالمية وغيرها من هيئات صحية دولية فيها دليل، ولينظر الى الأرامل والأيتام نظرة إنسانية، إن لم يكن له في الدين والإيمان من سبيل، فَفيه كفايةُ بينة، وظاهر حجة لمن أراد الصدق والعدالة، وطلبها…

عبدالحميد بن حميد الجامعي
سلطنة عمان
الخميس
١٧ شوال ١٤٤٠ هـ
٢٠ يونيو ٢٠١٩ م

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights