تأملات في بعض مستحدثات أحكام قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد
د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
قسم الحقوق – كلية الزهراء للبنات – مسقط
salim-s@zcw.edu.om
نواصل تأملاتنا في بعض مستحدثات أحكام قانون المحاماة والاستشارات القانونية، ونخصص مقالنا لهذا اليوم في بيان بعض المحظورات التي نص عليها القانون، وهي نصوص مستحدثة لم يكن منصوص عليها في القانون القديم، وهي في مجموعها تجسد سمو المهنة وعظمتها من جانب، وتجنب المحامي عن كل عمل أو فعل ينتقص من المهنة أو يهدر من كرامتها… ويمكننا – إيجازاً – تناول بعض هذه المحظورات، على النحو التالي:
1- الحظر على المحامي والمستشار القانوني الإعلان عن نفسهما بأي وسيلة من وسائل الإعلان.
تنص المادة (6) من قانون المحاماة والاستشارات القانونية على أنه “يحظر على المحامي والمستشار القانوني أن يعلن أي منهما عن نفسه بأي وسيلة من وسائل الإعلان، أو أن يظهر على شبكات التواصل الاجتماعي بمظهر غير لائق – بصفته المهنية أو الشخصية ….”
ويحمد المشرع كثيراً على هذا التوجه؛ تفسير ذلك، أنه باستحداثه هذا النص الجديد يكون المشرع قد تفادى النقص والقصور اللذان كانا يعتريا القانون القديم، أوقعت – بعض المخاطبين – في حرج شديد.
ومن جانب ثانٍ، بهذا النص المستحدث، أزال المشرع الاضطراب والتردد في تجريم تلك الأفعال والتصرفات التي كانت بعض منها ظهرت وبدأت تنبت أفعالاً غير متوافقة مع سمو المهنة، وهيبتها.
ومن جانب ثالث، يبدو من النص أن المشرع توسع في مد نطاق الحظر – وحسناً فعل ذلك – ليقطع على المحامي والمستشار القانوني، الإعلان عن نفسهما – بأي وسيلة كانت – من وسائل الإعلان، وسواء أكانت هذه الوسيلة إعلاناً إلكترونياً، أو إعلاناً تقليدياً.
ومن جانب رابع، منع المشرع على المحامي والمستشار القانوني أن يظهرا على شبكات التواصل الاجتماعي – أياً كانت طبيعتها، وأياً كانت شكلها – بمظهر غير لائق، وسواء ظهر بصفته كمحامي أو كمستشار قانوني أو بصفتهما الشخصية؛ على اعتبار الصفتين كل منهما لازمة للأخرى، ويساويان في مجموعهما المهنة بمفهوما النظامي والقانوني الدقيق.
ومن جانب خامس، أملى الواقع العملي، حسن صياغة النص، بما يستوعب ما أفرزه ذلك الواقع، وبرهنته العديد من الدلائل، حينما حظر على المحامي والمستشار القانوني اللجوء إلى أساليب الدعاية، أو الترغيب، أو استخدام الوسطاء.
ومن جانب سادس، عدد المشرع – على سبيل المثال – بعض الوسائل والأساليب التي بطبيعتها لا تعد أساليب ووسائل محظورة على المحامي والمستشار القانوني القيام بها، منها وضع لوحة على مقر مكتب المحاماة أو مكتب الاستشارات القانونية تحمل اسم المحامي ومؤهلاته القانونية، وترك المشرع تحديد مواصفات هذه اللوحة إلى اللائحة التنفيذية للقانون.
كما أجاز القانون وضع إعلان أمام مكتب المحاماة أو مكتب الاستشارات القانونية متى كان هذا الإعلان كان الهدف منه الإرشاد عن موقع المكتب الجديد. وفوق ذلك أجاز القانون الجديد، للمحامي والمستشار القانوني إنشاء موقع إلكتروني خاص بمكتبه على شبكة المعلومات العالمية، أو على موقع التواصل الاجتماعي، وذلك كله وفق ما يصدر من تنظيمات في هذا الشأن. وبهذا التعدد، يظهر المشرع في القانون الجديد توازناً ملحوظاً، بين ما حظره وبين ما سمح به للمحامي والمستشار القانوني القيام به وهو توجه جديد، يحمد المشرع عليه.
2- استقبال المحامي لموكليه:
تنص المادة (62) من قانون المحاماة والاستشارات القانونية بأنه “يجب على المحامي استقبال موكليه في مكتبه، ويجوز له استقبالهم في مكتب أحد المحامين. ولا يجوز للمحامي في نطاق نشاطه المهني، أن يتوجه إلى مقر موكله، إلا إذا حتمت ذلك ظروف استثنائية، على أن يلتزم في ذلك بقواعد سلوك وأخلاقيات مهنة المحاماة وتقاليدها”.
يستحدث المشرع في القانون الجديد نصاً جديداً، أفردت دواعيه واقعات الحياة المهنية، وبالتالي جاء هذا النص المستحدث؛ ليعظم المهنة ويسمو بها باعتبارها مهنة تشارك السلطة القضائية في تحقيق عدالة ناجزة، وبالتالي أدرك المشرع، أن هذا الأمر لا يمكن إهماله، إلا من خلال محظورات عديدة منها، أنه أوجب على المحامي استقبال موكليه في مكتبه، وأي دلالة لتعظيم هذه المهنة من هذا الحظر، وهذا هو الأصل، واستثناءاً منه، يجيز القانون للمحامي استقبال موكليه في مكتب أحد المحامين. وبالتالي حظر المشرع على المحامي – بموجب هذا النص المستحدث – في نطاق نشاطه المهني – أن يتوجه إلى مقرات موكليه، إلا إذا كانت هناك ظروف استثنائية تدعو إلى ذلك، ومع ذلك عليه الإلتزام بقواعد وسلوك وأخلاقيات مهنة المحاماة وتقاليدها وأعرافها. وخاصة أن الظروف الاستثنائية هي في دلالتها استثناءات، ووفقاً للقاعدة الفقهية – لا يجوز القياس عليها، أو التوسع فيها، وبالتالي بقائها في ظروفها المعتادة.