تأملات في بعض مستحدثات قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد
د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
قسم الحقوق – كلية الزهراء للبنات – مسقط
salim-s@zcw.edu.om
أظهرت لنا الدراسة أن نصوص وأحكام قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد أن معظمها – إن لم يكن جميعها – جاءت متفقة والأهداف التي عبر عنها المشرع العُماني في النظام الأساسي للدولة، وتحديداً في المادة (88) منه بقوله “المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع…”.
ونقصر في مقالنا هذا، تحليل نص المادة (25) من القانون على اعتباره نص مستحدث، لم يكن منصوص عليه في القانون القديم، بشأن استحداث برنامج تدريبي واختبارات مقررة للمحامي المتدرب، وكذلك نص المادة (26) والبند الثاني من المادة (28) من القانون ذاته؛ على اعتبارهما يكملان ما يروم لدى المشرع من أهداف.
تنص المادة (25) من قانون المحاماة والاستشارات القانونية على أنه “يجب على المحامي المتدرب اجتياز البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة بنجاح، وذلك وفقا لما تضعه اللجنة، ويصدر به قرار من الوزير، وفي جميع الأحوال يجب ألا تقل مدة التدريب عن (2) عامين.
ولا يجوز قيد المحامي المتدرب في جدول المحامين المقبولين أمام المحاكم الابتدائية إلا بعد اجتياز البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة بنجاح، وفي حالة عدم اجتيازه لها يشطب اسمه من جدول المحامين المتدربين بقرار من اللجنة، ما لم تقرر منحه فرصة أخرى في ضوء الأسباب والمبررات التي يقدمها…..”.
ويُلحظ على المشرع أنه يُظهر فلسفة حديثة، عند صياغته للنص، آية ذلك، أن النص يعد ترجمة حقيقية لتوجهات رؤية عُمان 2040، وتحديداً التوجه الإستراتيجي بشأن “منظومة تشريعية تشاركية ونظام قضائي مستقل ومتخصص وناجز، ورقابة فعالة وشفافة. ولا يمكن بحال من الأحوال، لمهنة المحاماة والاستشارات القانونية العمل على تجسيد مبدأ المشاركة، إلا من خلال الوصول في تحقيق مبادئ ثلاثة، مبدأ العدالة، ومبدأ سيادة القانون، ومبدأ كفالة حق الدفاع، بما يساوي في مجموعها تحقيق متطلبات رؤية عُمان 2040 في أن تكون سلطنة عُمان ضمن أفضل دول العالم في مجال تطبيق معايير سيادة القانون من جانب، وأن تكون مركزاً دولياً – ينظر إليه – في تسوية النزاعات بطرق بديلة عن القضاء العادي، كالتحكيم والوساطة مثلاً، من جانب آخر.
هذه الفلسفة التي تروم لدى المشرع، وتتمثل في خلق جيل جديد من المحامين يمتلك مهارات عالية، وثقافة عمل إيجابية، وقدرة على تعزيز قيم التنافسية، وامتلاكه العديد من الوسائل التوافقية فيما لديه من مهارات وبين ما يتطلبه القانون الجديد.
ويذهب المشرع في القانون الجديد – أنه لا يمكن بحال من الأحوال – تحقيق تلك الأهداف إلا من خلال إلحاق المحامي المتدرب في برنامج تدريبي، واجتيازه بنجاح، علاوة على ذلك اجتيازه الاختبارات المقررة التي تحدده اللجنة، وفوق ذلك ألا تقل مدة التدريب عن (2) عامين.
وبالتالي متى ما اجتاز المحامي المتدرب البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة بنجاح، وأكمل (2) عامين من التدريب؛ قيد في جدول المحامين المقبولين أمام المحاكم الإبتدائية. أما عند عدم اجتيازه البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة في هذا الشأن، يتم شطب اسمه من جدول المحامين المتدربين بقرار من لجنة شؤون المحامين والمستشارين القانونين، مالم تقرر هذه اللجنة منح المحامي المتدرب فرصة أخرى في ضوء الأسباب والمبررات التي يقدمها.
وإنه وإن كان المشرع في النص المستحدث، يهدف من البرنامج التدريبي، والاختبارات في هذا الشأن، في استظهار مدى توافق قدرات المحامي المتدرب، ومعرفة ملكاته القانونية، وقدرته في مزاولة المهنة من عدمه، إلا أنه كان غير موفق إلى حد ما، عندما قرر شطب اسم المحامي المتدرب من جدول المحامين المتدربين عند عدم اجتيازه البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة له، مع إكماله مدة عامين من التدريب، ونوصي المشرع – في هذه الجزئية – منح المحامي المتدرب فرصة أخرى لإعادة البرنامج التدريبي والاختبارات المقررة، وفي حالة عدم اجتيازه للمرة الثانية يتم شطب اسمه من الجدول.
ونوصي القائمين على البرنامج التدريبي والاختبارات المعدة في هذا الشأن – تجنباً لهذه الإشكالية – في عدم اجتياز المحامي المتدرب للبرنامج أن يسبق قيد المحامي في جدول المحامين المتدربين، اجتيازه مسارات معينة، يستظهر من خلالها مدى تناسب قدرات المتقدم لمهنة المحاماة مع ما يملكه من مهارات معرفية، وقدرة على التواصل، إضافة إلى امتلاكه بعض المهارات الإدراكية؛ كالتفكير الناقد، والتذكر، والاستدلال المنطقي.
كما نوصي القائمين على هذا الشأن، أن يراعوا عند إعداد البرنامج، أن هؤلاء المحامين المتدربين، حاصلين على مؤهل البكالوريوس، وبالتالي فهم قد أنهوا المستوى الثامن من متطلبات الإطار الوطني للمؤهلات، من معرفة ومهارة، ومبادرات التواصل، وغيرها؛ وبالتالي نرى من المناسب جداً، أن يركز البرنامج على مستويات أعلى، كمهارة تحليل النصوص، وتقييمها لمعرفة مدى كفايتها من عدمه، إضافة إلى ذلك مهارة الإبداع، وهذا بطبيعة الحال، لا يتأتى إلا من خلال ربط التعليم النظري بالواقع العملي التطبيقي، وهذا ما أظهره المشرع في المادة (26) من قانون المحاماة والاستشارات القانونية، عندما ألزم كل مكتب محاماة أن يُلحق به محامين متدربين لا يقل عددهم عن محام متدرب واحد.
وبالتالي يستلزم على مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية، في هذا الشأن أن تخرج من الإطار التقليدي البحت، فيما يخص بالمهام التي تؤكلها للمحامين المتدربين، على أن تتبنى صورا حديثة تتجانس وتتشابهه إلى حد التماثل بين الهدف من إلحاق المحامين المتدربين في مكتب المحاماة والتحاقهم في برنامج تدريبي، من خلاله يرسم المكتب صورة حقيقية وواقعية عن الحياة العملية للمحامين الذي عُهد للمكتب بتدريبهم. في المقابل لا يجيز البند (2) من المادة (28) من القانون ذاته للمحامين المتدربين الانتقال من مقر تدريبهم من مكتب إلى آخر، إلا بعد موافقة التقسيم الإداري المختص في الوزارة، ووفقا لما تبينه لاحقا اللائحة التنفيذية للقانون. وحسنا فعل المشرع ذلك، على اعتبار أن تنقلهم من مكتب لآخر بدون أسباب، من شأنه قطع ذلك التماثل.