الخميس: 10 أكتوبر 2024م - العدد رقم 2287
Adsense
مقالات صحفية

لبنان: من رماد الحزن إلى آفاق الأمل

  ناصر بن خميس السويدي

بلدي الحزين لبنان، لم يتركوك تهنأ بهدوئك المعتاد، فقد أوغلوا خناجرهم في نحرك وتركوك تنزف ببطء، كأنك صخرة ينهشها الموج دون رحمة، كم ليلة بكيت فيها وحيدًا، تتأرجح بين حلمٍ ضائع وواقعٍ مُر! أحباؤك رحلوا، وتشتت أبناؤك في أصقاع الأرض، لكنك ما زلت تقاوم، تحمل جراحك بصمتٍ وكبرياء. يا لبنان، لم يبقَ لك إلا الذكريات، وشجرة أرز شامخة ترنو إلى السماء، عسى أن تأتي يوماً ريحٌ تحمل معها السلام الذي طال انتظاره.

يا لبنان، كم عانيت من صراعات لا ناقة لك فيها ولا جمل، وكم استنزفتك أيدٍ لا تعرف إلا الخراب، ورغم ذلك بقيت شامخًا، شامخًا كجبالك التي لا تنحني أمام العواصف ورغم الدمار الذي طال كل زاوية فيك، يبقى فيك نبضٌ لا يموت، وأملٌ يتسلل بين الدموع، يداعب قلوب أبنائك الذين لم يعرفوا لك بديلاً.

يا وطني، رغم الغربة والرحيل، لن ينسى من وُلد على أرضك دفء شمسك ولا عبق ياسمينك الذي يتسلل إلى الأنفاس. ستظلّ حاضرًا في القلب، مهما تكالبت عليك المصائب، لأنك لم تكن يومًا مجرد أرض، بل كنت الوطن، الروح، والهوية.

سيأتي يوم، يا لبنان، ستعود فيه طيورك إلى أعشاشها، وسيزهر ربيعك من جديد، وستُمحى من ذاكرتك آلام الأمس، لن تبقى الحروب هي الحكاية الوحيدة التي تروى، بل ستُكتب حكايات جديدة عنك، عن نهوضك، وعن أبنائك الذين سيعودون ليعمّروا ما هدمته الأيدي العابثة.

سيأتي يوم يا لبنان، تعود فيه ضحكات الأطفال تملأ أزقتك القديمة، وتنبض شوارعك بالحياة كما كانت في أيام العز، ستنبت الزهور في قلب الخراب، ويعود الأمل ليخترق جدران اليأس، سيستعيد البحر زرقته النقية، ويتوقف عن حمل رسائل الحزن على أمواجه.

يا لبنان، أنت لست مجرد وطن للذكريات المؤلمة، بل أنت ملاذ للحالمين، والمحبين، ولكل من عرف فيك طعم الحياة الحقيقية، ستعود بيروت منارة للشرق، تنير الطريق أمام من ضل السبيل، وستستعيد جبالك أناشيد الفرح التي طال انتظارها.

لن تكون وحيدًا بعد الآن، يا لبنان، أبناؤك الذين شتتهم الرياح، سيعودون كما يعود الطير إلى عشه، وسيمسحون عنك غبار الألم، كل جرح فيك سيُشفى، وكل حطام سينهض، لأنك أقوى من كل ما مر بك، زرعوا فيك اليأس، لكن جذورك أعمق من أن تقتلعها العواصف، وسيظل اسمك يا لبنان منقوشًا في القلوب، وطنًا لا يهزم، مهما تعالت على سمائك الغيوم؛ لأن النور دائمًا يولد من قلب الظلام.

سيأتي ذاك اليوم يا لبنان، حين تعود أغصان الزيتون تحمل السلام بدل أن تكون رمزًا للانتظار الطويل، ستزهر أرزتك من جديد، وتفرد ظلالها على شعب استحق أن يحيا بكرامة وطمأنينة، سيعود من هاجر بحثًا عن حياة كريمة، وسيجد فيك الحياة التي حُرم منها، سيجد فيك الحب الذي ظن أنه قد ضاع في زحمة الحروب.

يا لبنان، كم شهدت من مآسي، وكم دفنت في أرضك من أحلام، لكنك لا تزال صامدًا، وكأنك تقاوم الموت بحب الحياة، عرفت طعم الدمار، ولكنك تعرف أيضًا كيف تنبت من بين الركام، فكما تعود الشمس كل صباح بعد ليلٍ طويل، ستعود أيامك الجميلة، تلك التي يحلم بها كل من نطق اسمك بحنين.

لن تكون قصتك يا لبنان حكاية ألم بلا نهاية، بل ستحكي الأجيال القادمة عن وطن قاوم رغم كل شيء، وطن نهض من رماده كطائر الفينيق، ليحلق عاليًا فوق جراحه، حينها ستكون روحك حرة، وستعود لتعيش كما كنت، وطنًا يزهو بجماله وأهله، وطنًا يعانق الشمس ويحتضن أبناءه، مهما باعدتهم الأيام.

وسيأتي ذاك اليوم، يا لبنان، حين تكتسي جبالك بالأمل، وترقص سهولك على أنغام الفرح، ستعود القرى لتنبض بالحياة، والمقاهي القديمة ستفتح أبوابها من جديد لاستقبال العائدين، تحملهم ذكريات طفولتهم وأحلام لم ينسوها، ستمتلئ شوارع بيروت بصوت الموسيقى، وستتزين أزقتها بالعشاق الذين لا يفارقهم الحنين.

ستُمسح دموع الأمهات اللواتي انتظرن طويلًا عودة أبنائهن، وسيضحك الأطفال في حدائقك، يلعبون دون خوف، يركضون نحو مستقبل مشرق لا يعرفون الحروب ولا الانقسام ستعود مدارس الوطن تخرّج الأجيال التي ستعيد بنائك وتُعلي راياتك من جديد، وستعود الجامعات حاضنةً لأفكار الشباب الطموح الذين سيصنعون من أنقاض الماضي مستقبلًا أكثر إشراقًا.

لبنان، يا وطن الحب والجمال، يا وطن الحرف الأول، ستعود كالسابق، حضنًا لكل من عرف معنى الوطن، ستهزم كل الطغاة الذين أرادوا لك الفناء، وستظل كما كنت، رمزًا للشموخ والصمود.

وفي ذاك اليوم يا لبنان، ستنهض من تحت ركامك، وستعود سماؤك صافية، تشرق عليها شمس الحرية من جديد ستتوقف أصوات المدافع وأزيز الرصاص، وستحل مكانها ضحكات أطفالٍ يلعبون على شواطئك وبين بيوتك القديمة ستُدق أجراس الكنائس، وترفع المآذن أصواتها، فيتلاقى النغم الواحد الذي لطالما جمع أبنائك رغم كل شيء.

سيعود الزيتون رمزًا للسلام لا للصمود وحده، وستمتد أيادي أبنائك لتعمر لا لتهدم، لتزرع لا لتحارب، ستعود البيوت التي هُجرت وتتهدمت لتستقبل الأحباء، وستعود القلوب التي أرهقتها الفرقة لتلتئم. يا لبنان، سيكتب التاريخ أنك قاومت بكل شموخك، لم تنحنِ إلا لتنهض أقوى وأجمل.

ومهما طال الليل يا لبنان، سيأتي الفجر الذي لطالما انتظرته، ستغني طيور الأرز أغاني الحرية، وسيحملك التاريخ بين سطوره كقصة وطنٍ لم يستسلم لليأس، وطن قاتل من أجل الحياة.

وفي ذاك الفجر الموعود، يا لبنان، ستنبت الأرض من جديد، وستنفض عن نفسها غبار الحروب والخراب، سيتبدل الحزن بالفرح، والجراح ستلتئم بيد من أحبوا الوطن بصدقٍ وعملوا لبنائه، سيعود الفلاح إلى حقله ليزرع بذورًا لمستقبل أكثر إشراقًا، وتعود الأيادي التي هدمت لتبني جسورًا تجمع بين أبنائك، مهما تفرقت بهم السبل.

سيأتي ذاك اليوم الذي ستنمو فيه الأرزات أكثر طولًا وشموخًا، وستحكي قصص الأجداد الذين قاوموا الرياح والعواصف، تمامًا كما تقاوم اليوم، وسيظل قلبك، يا لبنان، ينبض بروح الحياة التي لا تعرف الخنوع، لن تكون حكاياتك بعد اليوم مجرد قصص ألم، بل ستكون دروسًا عن الإرادة التي لا تموت عن الأمل الذي ينبثق حتى من بين أطلال الأحزان.

وفي المستقبل، سيجلس أبناؤك حول موائد العيد، يتقاسمون خبزًا من صنع السلام، لا خبزًا مُرًا طُحن تحت وطأة الأزمات، سيكتب الشعراء أغاني للحب بدل أغاني الوداع، وستعود الألوان لتزهر في لوحات الفنانين، تعكس وجهك المشرق الذي طالما أحبوه.

يا لبنان، ستنهض من الرماد، وسيكون لك مستقبل يشبه عظمة تاريخك، وبهاء أرضك. ستظل رايتك ترفرف عالية، تحمل في طياتها قصص الصمود والكبرياء، وستكون شاهدًا على أن الأوطان العظيمة لا تموت أبدًا، مهما تعثرت، لأنها باقية في قلوب من يحبونها.

ويا لبنان، عندما تظن أن ليلك قد طال، وترى أن الطريق قد بات مسدودًا، حينها ستشرق شمس جديدة تحمل معها مفاجآت لا يتوقعها أحد، سيأتي ذلك اليوم، ربما أقرب مما نعتقد، عندما ستعود الطيور التي هجرت أعشاشها إلى أغصان الأرز من جديد، وتحمل معها رسائل لمستقبل مشرق طال انتظاره.

أبناؤك سيعودون، واحدًا تلو الآخر، لا يحملون سوى حبهم لك وعزيمتهم التي لا تعرف الانكسار، ستستفيق على زقزقة الحياة في كل زواياك، وستُسمع أصوات الأمل كما لم تُسمع من قبل.. فهل ستكون حاضراً لتشهد هذه المعجزة يا لبنان؟ هل سيكتب التاريخ أن النهوض كان أعظم من السقوط، وأنك ستعود من حيث لا يتوقع الجميع؟

الأيام القادمة تحمل في طياتها إجابة هذا السؤال، ولبنان، الذي ظن الجميع أنه في سباته الأخير، سيعود ليُدهش العالم من جديد، فترقب يا لبنان، ففصول الحكاية لم تنتهِ بعد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights