أوصاف مواقع النخيل في وثائق وادي الجهاور بولاية السويق
راشد بن حميد الجهوري
@ra_aljahwari
اشتهرت أودية عُمان منذ القديم بزراعة النخيل، فكان من أهم مصادر الدخل لأهالي هذه الأودية، وصاحب ذلك حراك اقتصادي في البيع والشراء لأصول هذه النخل على حسب الطلب والحاجة؛ الأمر الذي استدعى تقييد وكتابة وثائق تُحفظ بها الحقوق ويرتفع بها النزاع، وعند قراءة الوثائق المتوفرة بين أيدينا نلحظ الدقة في وصف النخلة محل البيع حتى لا يحدث الخلط بينها وبين غيرها، والأسطر الآتية في هذا المقال تسلط الضوء على هذه الأوصاف من خلال دراسة بعض الوثائق التاريخية في وادي الجهاور بولاية السويق.
جاءت الأوصاف المحددة لموقع النخلة محل البيع في الوثائق متنوعة، فمنها ما يصف الجهة، ومنها ما يصف التضاريس المجاورة للنخلة، ومنها ما يصف النخل المعروف المجاور لها، ومنها ما يصف أشجار أخرى مجاورة لها، وبالعموم فهي تعبر عن دقة الوصف، والذي يعتبر ملكية مصغرة لحدود قطعة الأرض الصغيرة الذي توجد بها النخلة، والتي تسمى الجيل.
إن تحديد الجهات في مسألة البيع يعتبر من الأمور التي تحدد موقع النخلة وصفتها بشكل أكثر وضوحاً، وأجدادنا كانت لهم كلمات تعبر عن الجهات منها: جانب مغرب الشمس، والجانب البحري (جهة الشمال)، والعالي (جهة منبع الوادي)، والحدري (الجهة المقابلة لمنبع الوادي)، ومن تلك العبارات: الفرض الذي مقايم الفرض الذي من جانب البحري، ومنها أيضاً: نخلة فرض من الفلج البحري، وعبارة ثالثة وردت فيها جهة الغرب: نخلة برشي من جانب مغرب الشمس، ومنها كذلك: البرشي العالي والبرشي الحدري، وأيضا: الشحايم الحدرية، مع التنبيه على تجاوزي لمسميات الأشخاص والأماكن للاختصار، والتي تزيد من دقة التحديد.
وتمثل التضاريس المتنوعة وموقع الفلج محددات تساعد في وصف النخلة محل البيع، ومن تلك العبارات: فرض العضد الذين أعلى المطراح (المطراح المكان المرتفع الذي ينزل منه الفلج كالشلال الصغير)،ومنها: جيل النغالة والقورة على العامد (العامد جانبي الفلج)، وعبارة ثالثة: نخلتي برشي من الرم فلج لأمباه شارفات على الوادي، وعبارة أخرى: نغالة على عامد الظهرة، وكذلك وردت عبارة: نخلة فرض مقايم الخصابة على العامد من جانب الحدري ورقيعته قورة القسويح الذي صدر السابة (الرقيعة هي النخل الأصغر التي ستكون بديلا للنخلة الطويلة)، ومن العبارات أيضا: نخلة برشي الذي يساير الشرجة، ونلحظ من جميع هذه العبارات تقريب الوصف ليكون محددا للنخل المقصودة، واستخدام عبارات لها تداول بينهم في زمانهم، وبقيت بعضها تستخدم إلى زماننا هذا.
إن من عجائب وصف مواقع النخيل وصفها بنخيل مجاور لها يكون معروفا لأهل البلد، ومن أكثر الكلمات ورودا في هذه العبارة كلمة (مقايم)، وهي مأخوذة من القامة وهي النخلة التي تكون بطول أو قرب طول النخلة المقصودة وبجوارها، ومن هذه العبارات: البرشي الذي مقايم قش النشو، ومنها: البرشي الذي مقايم السدرة (مثال على استغلال الأشجار الأخرى في الوصف)، وأخرى: الرابة التي كان فيها الفحل فيها قورة نشو، وهناك عبارات أخرى قريبة من هذه الأوصاف.
وبعد: فهذه بعض العبارات سطرها الأجداد في وثائقهم تحكي جانبا من علاقتهم بهذا المصدر الغذائي، والذي اعتنوا به أشد عناية حتى حفظوا التضاريس المحيطة به؛ الأمر الذي يدلل على كفاحهم وجهدهم من جهة، وعلى تقديرهم الاقتصادي له من جهة أخرى، ووادي الجهاور بالقرى التابعة له يمثل أنموذجاً لهذه الصورة المشرقة من التوثيق والعناية بدقة وصف مواقع النخل، وهي صورة تكرر في أودية عُمان الأخرى مع اختلاف في بعض الكلمات.
وختاما: من حسن الموافقة أني وجدت وصفا لإحدى نخل النغال في هذه الوثائق عند كتابة هذا المقال، وهي: نغالة الزينة المسجولة (الزينة وصف للنخلة النشيطة ذات الهيئة الضخمة)، ونحن نستمتع بالرطب اللذيذ من نخل النغال في هذه الأيام، ليتواصل عطاء هذه الشجرة المباركة الذي اطلعنا على جانبٍ من تاريخها في العبارات الموثقة التي سبق ذكرها.
(مصدر الوثائق: التأريخ السياسي والعلمي للسويق والمصنعة، ج2، إعداد: فهد بن علي السعدي)