خلف بن سليمان البحري
الإرادة هي تلك القوة الغامضة التي تتجلى في أصعب اللحظات، تلك القوة التي تدفعنا إلى الأمام رغم العوائق والتحديات التي قد تبدو في بعض الأحيان غير قابلة للتغلب عليها. إنها ليست مجرد رغبة عابرة أو حلم مؤقت، بل هي التزام داخلي يشتعل في داخلنا ويحفزنا للاستمرار حين يتراجع الجميع.
من السهل أن نتحدث عن الإرادة، ولكن ما يجعلها مميزة حقاً هو أنها تأتي من داخل الإنسان، من أعماقه. ربما لا نلاحظ قوتها ونحن نعيش حياتنا اليومية، ولكن حين نواجه موقفاً يتطلب منا التضحية والصبر، تظهر الإرادة وكأنها قوة خارقة تساعدنا على تخطّي المستحيل. في تلك اللحظات، نشعر وكأننا نمتلك طاقة لا تنفد، قوة تنمو مع كل تحدٍّ تواجهه.
في كثير من الأحيان، تكون الإرادة هي الفرق بين النجاح والفشل. قد نجد أنفسنا أمام تحديات كبيرة، بعضها يبدو وكأنه جبل لا يمكن تسلقه، لكن الإرادة تجعلنا نؤمن بأن كل قمة يمكن الوصول إليها، وأن كل باب مغلق يمكن فتحه. الإرادة ليست سحراً، لكنها تملك تأثيراً يفوق الخيال، لأنها تدفعنا للاستمرار حتى حين نشعر بالإرهاق، وتمنحنا القوة حين نظن أننا قد وصلنا إلى النهاية.
عندما نتأمل قصص النجاح حول العالم، نجد أن القاسم المشترك بين جميع الناجحين هو الإرادة القوية. ليس بالضرورة أن يكونوا الأكثر ذكاءً أو الأقوى جسدياً، بل كانوا الأكثر تصميماً. الإرادة هي التي مكنتهم من مواجهة الفشل، والوقوف مرة أخرى بعد كل سقطة. إنها التي دفعتهم للاستمرار حين فقدوا الأمل، وجعلتهم يصرون على الوصول إلى أهدافهم مهما كانت العقبات.
الإرادة ليست هبة فطرية يمتلكها البعض دون الآخر، بل هي قوة يمكن تطويرها وتنميتها. مثل العضلات، تحتاج إلى تدريب وصبر. يبدأ الأمر بقرارات صغيرة، مثل الالتزام بعمل شيء يومي قد يبدو بسيطاً في البداية، لكن مع مرور الوقت يصبح ذلك العمل عادة لا يمكن الاستغناء عنها. هذه العادات الصغيرة تساهم في تقوية الإرادة بشكل تدريجي، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا.
في النهاية، لا يمكننا أن نغفل أن الإرادة الحقيقية تخرج في أصعب الأوقات. عندما نشعر أننا قد فقدنا كل شيء، وأن الطريق قد أغلق أمامنا، حينها فقط نكتشف القوة الحقيقية للإرادة. إنها القوة التي تجعل المستحيل ممكناً، والتي تحول الأحلام إلى حقائق. كل ما يتطلبه الأمر هو أن نؤمن بأن الإرادة التي بداخلنا قادرة على صنع المستحيل.
