2024
Adsense
مقالات صحفية

نخلتنا العمانية يجب إكرامها

سعيد بن سالم الغداني

    ها هو موسم القيظ العماني يأذن بالرحيل وقد شهدنا خلاله تدفق كميات هائلة من الرطب الجني ، ولسان حالنا يقول ليته استمر طويلا لنستمر في أكل ثمار أشجاره الموسمية الطيبة لا سيما الرطب، فبالرغم من مكوثه بيننا أكثر من ثلاثة أشهر إلا أن هذه المدة مرت علينا بسرعة وكأنها (غمضة عين) أو ومضة برق سرعان ما اختفت بعد ظهورها برهة من الوقت ، فقبل أن يأفل نجم هذا الزائر الكريم ويتوارى عن الانظار، وننتظر عودته بكل شغف وشوق العام القادم ، لكونه يصطحب معه منتجات محلية تساعد في ازدهار وانتعاش الاقتصاد المحلي ، ولكونه غذاءً صحيا ومطلبا للناس داخل وخارج عمان؛ لذلك كان لزاما علينا أن نتوقف مع محطاته وأهمها محطة علاقة الإنسان العماني بالنخلة المثمرة خلال هذا الموسم وارتباط المزارع العماني بها منذ بدء الخليقة ، لأنها الشجرة الوحيدة التي يستفاد من كل مكوناتها بدءا من الرطب والتمر ، مرورا بالسعف ، والكرب، والليف ، وانتهاءً بالجذوع، حتى وصل الأمر ببعض الشباب إلى ابتكار صناعة القهوة من نوى ثمار النخيل، وأيضا صناعة وقود للسيارات ، فالعلاقة الوثيقة الأبدية بين هذين الطرفين علاقة أزلية ويجب أن تبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين لما لها من أهمية قصوى على معيشة الإنسان العماني والاقتصاد العماني بشكل عام.

ويكفي شرفا للنخلة أن ورد ذكرها في القرآن الكريم وجعل ثمرتها غذاء للسيدة/ مريم العذراء، وهى في مرحلة المخاض فيقول الله تعالى” وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا” سورة مريم الآية ٢٥

    لقد حبا الله بلادنا عمان بنعم كثيرة لا تعد ولاتحصى، من أبرزها وجود النخلة إذ تشير الاحصائيات الرسمية لعام 2023 إلى وجود أكثر من تسعة ملايين نخلة ،أشهرها : النغال، الخنيزي، الخلاص، وقد شغلت مساحة تقدر بأكثر من (62) الف فدان في مختلف محافظات السلطنة، بواقع انتاجية للنخلة الواحدة في العام ب ( 51 ) كيلو جراما من الرطب أو التمر ، كما أوضحت الإحصائيات بأن الإنتاج السنوي للسلطنة من التمور بلغ أكثر من (374 ) ألف طنا، فبلادنا ولاغرور في ذلك تحتل المركز الثاني خليجيا في إنتاج التمور بعد المملكة العربية السعودية التى هى بالطبع أكبر مساحة ، وأكثر كثافة سكانية منا، كما جاءت السلطنة في المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج التمور، وهذا شرف يرفع هامات الروؤس للعمانيين. لقد قيض لي أن أطلع ذات يوم على فيديو نشره أحد الطلاب العرب الذين يدرسون الطب في بريطانيا ، يقول فيه أثناء دراستي للطب في جامعة أدمبرا ببريطانيا رأيتهم يحقنون الأطفال حديثي الولادة بإبرة تحمل مواد كيميائية بهدف تخفيف الآم الصدر والرأس عند الطفل بعد ولادته ، فقلت للدكتور رئيس قسم صحة وحياة الطفل بكلية الطب بالجامعة: نحن في دولنا العربية لدينا طريقة أفضل من ذلك ، وهى إعطاء المرأة قبل الولادة عدة تمرات لتخفف عنها الآم الحمل والمخاض وتخفف أيضا على طفلها بعد الولادة كل الآلام ، فطلب مني كمية من التمر وبعد أن جربه على عشر نساء بريطانيات ذهل بالنتيجة، وقال فعلا اكتشفنا بأنه يريح أعصاب الأم والطفل ولا يحتاج للإبر ،والحديث عن فوائد ومنافع التمر يجرني الى الحوار الصحفي الذي أجريته منذ سنوات مع الأديب والشاعر البحريني / علي الشرقاوي عند زيارته للسلطنة ومشاركته في إحدى المحافل الثقافية ، فسالته: لماذا أطلق عليك لقب ( شاعر النخلة البحرينية؟)، هل لأنك تنتمي لبلد المليون نخلة ؟ فرد قائلا : أطلق علي هذا اللقلب للحضور القوي للنخلة في كتاباتي للشعر الفصيح والعامي وكتاباتي في المجال الدرامي الإذاعية والتلفزيونية، وهذا التعلق بالنخلة مرده لحكمة كانت ترددها علي منذ الطفولة جدتي ( أمي العودة ) فتقول: يابني أما سمعت قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) رواه الإمام مسلم. نستخلص مما تقدم ذكره أن للنخلة شأن عظيم في حياتنا، ونقولها بالفم المليان أننا ندين لها بالفضل لكونها منتج غذائي مهم لا غنى عنه للإنسان كبيرا أم صغيرا. فضلا عن كونه مصدر من مصادر الرزق ورافد من روافد الاقتصاد بأي بلد لذا يتوجب علينا أن نرد لهذه الشجرة المباركة الكريمة ولو قدرا يسيرا من الدين ، لنكون كالابن البار بوالديه وليس كالابن العاق. ٠٠ ولعل ما أحزانني ودعاني لكتابة هذه الأسطر المتواضعة مطالبا بأعلى صوتي المزارع العماني بالعناية والرعاية بالنخلة وردّ جميلها بإكرامها بأفضل مما أكرمتنا وأعطتنا ذلك المنظر الذي شاهدته بأم عيني وشدني بقوة عندما ساقتني قدماي لإحدى أسواق بيع الرطب الذي يجلب من مختلف محافظات السلطنة لهذا السوق ، وجود نوعية من الرطب ذات جودة عالية من التميز في ركن معين ونوعية أخرى على النقيض تماما من النوعية الأولى في ركن آخر ، ولما انتابني الفضول وسألت عن ذلك؟ قال لي أحد المتخصصين في التمور بل صدمني بردٍّ قاس : أن النوعية الأولى التي رأيتها تدل على اهتمام ورعاية المزارع أو صاحب النخلة أي العماني الذي يمتلك المزرعة فهو يهتم بها جل اهتمام فيكرمها سنويا بالأسمدة وكثرة السقى بالماء وعند التلقيح، والتحدير ، حتى لو لديه عمال وافدين تجده حاضرا شخصيا ويقوم بتوجيه وارشاد العمال، بالطرق المثلى في هذا الشأن ،أما النوع الثاني فصاحب المزرعة يترك الأمر برمته للمزارع الوافد قليل المعرفة والخبرة، فهو ككفيل للعامل لا يذهب لمزرعته إلا قليلا ، ويكتفي باستلام الرطب في منزله للعائلة من العامل، والزراعة عند هذا الصنف من الرجال تسير بالبركة ودعاء الوالدين، ومسك ختام هذا الموضوع ، نطالب الجهات الحكومية المختصة بمضاعفة جهودها لدعم ومساعدة المزارع العماني، فيما يتعرض له من تحديات في سبيل المحافظة على النخلة، والتي من أبرزها : مكافحة سوسة النخيل ، وكل ما تتعرض له من آفات، تعيق انتاجها وإيجاد الحلول للجفاف ولضعف منسوب مياه الأفلاج ، وتزويده بفسائل النخيل الأسمدة المناسبة وبكل ما يحتاجه في سبيل إكرام النخلة خير إكرام.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights